للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي: لا بوادر له فيخشى؛ وهو كقول الفرزدق (١): [البسيط]

سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا تُخْشَى بَوَادِرُهُ … يَزِينُهُ اثْنَانِ حُسْنُ الْخُلْقِ وَالْكَرَمُ (٢)

وأمثلته تكثر، لكني أقول:

نفي الأخص وإِن لم يقتض من حيث إِنه نفي أخصّ إِثبات الأعمّ، إِلَّا أنه في بعض المحال قد لا تظهر فائدة لتخصيصه بإِيراد النَّفْي عليه إِلا ذلك، فيفهم منه ذلك والحالة هذه، وهذا كما لو قلت: لا رجل في الدار، فإِنه صادق بانتفاء كون الرجل في الدار مع وِجْدَان الدار وبنفيهما معًا، ولو كانت الدَّار منفيةً لم يظهر لنفي كون الرجل فيها فائدة، ولا بُدّ من فائدة، فيفهم بهذا إِثبات الدَّار، ومن مَارَسَ لغة العرب [وتضلّع] (٣) موارد الشريعة لم يرتب فيما أقوله، وإِنما يمتري في ذلك الجامدون على المَنْطِقِ، بل ذكر شيخنا أبو حيان في تفسيره عند الكلام على قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ [سورة البقرة: الآية ٩] أن الأكثر في كلام العرب فيما إِذا نفي المقيد بقيد، نفي القيد فقط، وإِثبات المقيد، وأن نفيهما معًا خلاف الأكثر في كلامهم.

وكذلك ذكر غيره من النُّحَاة، وإِنما يحمل كلام النبيّ على غالب كلام العرب، فوضح ما قاله الإِمام وابن السمعاني.

والثَّالثة: أن يظهر واحد معين بدليل مستفادٍ من خارج، وهو المشار إِليه بقوله: "أما إِذا تعيّن" ولا ينبغي لأحد أن يخالف هنا، بل يقدر ما ظهر، سواء أكان عامًّا أو خاصًّا؛ لأن الدليل قَادَهُ.


= ويروى الْعَجُزُ "بالشيم"، بدلًا من "الكرمُ" وكلتاهما بمعنى واحد.
(١) همّام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق: شاعر من النبلاء من أهل البصرة عظيم الأثر في اللغة، كما يقال: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولو شعره لذهب نصف أخبار الناس، يُشبّه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الإِسلاميين، لُقِّب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. توفى سنة ١١٠ هـ.
ينظر: البيان والتبيين، ابن خلكان ٢: ١٩٦، الأعلام ٨/ ٩٣.
(٢) البيت للفرزدق ص ٥١٢ من قصيدة له يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين.
(٣) في ج: وتضلع من.

<<  <  ج: ص:  >  >>