للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنع من [قتله] (١) ابتداء؛ لعهده.

قال ابن السمعاني: ونظير هذا لو قال: "لا تقتلوا اليهود بالحديد، ولا النصارى في الأشهر الحرم" كان معناه لا تقتلوا اليهود بالحديد، ولا النصارى في الأشهر الحرم أصلًا، وليس معناه: ولا تقتل النصارى في الأشهر الحرم بالحديد؛ بِبَيِّنَةِ أنه لو قال بدل قوله: ولا ذو عهد في عهده: ولا رجل في عهده لاقتضى ألَّا يقتل رجل في عهده، بحال؛ ليكون قوله: في عهده يفيد فائدة جديدة، فكذلك قوله: ولا ذو عهد في عهده.

سلّمنا وجوب التقدير مع قوله: في عهده، ولكن لِمَ قلتم: إن المذكور أولًا متعيّن؟ قولكم: القرينة تعينه.

قلنا: القرينة توجب ألَّا يهدر، والضرورة إلى التقدير توجب ألَّا يتقدر بقدر الضرورة، فليقدر بعض ما اشتمل عليه الأول جمعًا بين الدليلين، وهو في المثال الذي أوردته: الحربي الذي هو أخصّ من الكافر، فالتقدير: ولا ذو عهد في عهده بحربي.

سلمنا وجوب تقدير المذكور أولًا بجملته، وأن المعنى بكافر، ولكن لِمَ قلتم: إنه يقتصر على ذلك؟ وهذا يقدر بكافر ومسلم معًا؛ بِناءً على أن المضمر ينبغي أن يقدر فيه جميع ما يمكن إضماره، وهو رأى لكم سبق ذكره في مسألة المقتضى.

فإن قلتم: منَعَنَا عنه أنّ المعاهد يقتل بالمسلم.

فنقول: فليمنعكم عن تقدير "بكافر" أن المعاهد يقتل بالمُعَاهد، فلأي معنى فَرَرْتُمْ مما هو أعم من المسلم والكافر إلى تقدير الكافر وهو أخص؛ لأجل ما ذكرتم، ولم [تَفِرُّوا] (٢) من تقدير الكافر، وهو أعم من المعاهد والحربي إلى تقدير الحَرْبِيّ وهو أخصّ؛ لأجل أن المعاهد يقتل بالمعاهد؟

فإن قلت: ما وجه الارتباط بين هاتين الجُمْلتين على ما يزعمون حينئذ؛ إذ لا تظهر مناسبة لقولنا: ولا ذو عهد في عهده مطلقًا، مع قولنا: لا يقتل مسلم بكافر.

قلت: قال فقيه الشافعية أبو إسحاق المَروَزِيّ في "التعليقة": كانت عداوة الصحابة للكفار في مبدأ الإسلام شديدة جدًّا، فلما قال : "لا يقتل مسلم بكافر" خشي أن يتجرَّد هذا الكلام، فتحملهم العَدَاوة الشديدة بينهم على قتل كافر من معاهد


(١) في ب: قيله.
(٢) في أ: ج: تقدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>