للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العلَّامة الشَّيْخُ عَبْدُ الغَنِي عَبْدُ الخَالق (١): إن حكاية الشافعي لهذه الأقوال في النوع الثالث يرى أن القول الأول والثالث والرابع على اتفاق في أن السُّنة تستقل بالتشريع، ومختلفة في أن النبي ﷺ يشرع المستقل من عند نفسه مع توفيقه تعالى له بالصَّواب، أو ينزل عليه الوحي به، أو يلهمه الله إياه، وهذه الخلافية لا تعنينا، وأن القول الثَّاني هو المخالف، وقال: والحق في هذه المسألة أنها حجة، وتعبدنا الله بالأخذ بها، والعمل بمقتضاها، ودلَّل على ذلك بأدلَة نورد بعضها لِلْبَيَان حتَّى تسدّ أفواه المتنطِّعين الَّذين لا خلاق لهم في الدنيا والآخرة:

أولًا: عموم عِصْمَتِهِ ﷺ الثابتة بالمُعْجِزَة عن الخَطَأ في التبليغ لكل ما جاء به عن الله - تعالى - ومن ذلك ما وردت به السُّنة، وسكت عنه الكتاب، فهو إذن حقٌّ مطابق لما عند الله - تعالى - وكل ما كان كذلك فالعَمَل به واجب.

ثانيهما: عموم آيات الكتاب الدَّالة على حُجِّية السُّنة، وقد تقدمت، فهي تدلُّ على حجيَّتها، سواء أكانت مؤكدة، أم مبينة، أم مستقلة، وقد كثرت هذه الآيات كثرة تفيد القطع بعمومها للأنواع الثلاثة، وبعدم احتمالها للتَّخْصيص بإخراج نوع عن الآخر، بل إن قول الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة النساء: الآية ٦٥] فهذه الآية تفيد حجية خصوص المستقلة.

قال الشافعيُّ ﵁ في تَوْجِيهِهَا: نزلت هذه الآية في رجل خاصم الزبير في أرض، فقضى النبي ﷺ بها للزبير (٢).

وقال الشَّافعي: وهذا القضاء سُنَّة من رسول الله ﷺ لا حكم منصوص في القرآن.

ثالثًا: عُمُومُ الأحاديثِ المثبتة لِحُجِّيةٍ السُّنة، مؤكدة كانت أو مُبَيِّنة أو مستقلَّة؛


(١) حجية السنة.
(٢) أخرجه البخاري ٥/ ٤٢، في المساقاة، باب سكر الأنهار ٢٣٥٩، وفي ٨/ ١٠٣ في تفسير سورة النساء، باب "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" حديث ٤٥٨٥، ومسلم ٩/ ١٨٢٤ - ١٨٣٠ في الفضائل، "باب وجوب اتباعه ﷺ" (١٢٩/ ٢٣٥٧) والشافعي في الرسالة ص ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>