للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أما درهم؛ فللاستغراق، وأما درهمان؛ فلأنها سابقة على درهم لفظًا، فلو تَخَطَّاها الاستثناء لعاد إلى الأبعد دون الأقرب، وهو مذهب لم يقل به أحد.

قلنا أولًا: الاستثناء إذا صادف قبله معطوفات، فهو يعود إلى ما يناسبه منها، فإن لم يناسب إلا الأبعد اختص به كما ذكرناه في: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [سورة البقرة: الآية ٢٤٩] وأمثاله، فلا علينا من عدم إمكان العود إلى الأخير؛ لقيام المانع فيه.

وأيضًا: فالخلاف جار فيمن قال: عليّ درهم ودرهمان جريانه في عكسه سواء؛ إذ لا فرق في مسألة العدد بين قولك: درهم ودرهم إِلّا درهمًا، ودرهم ودرهمان إِلَّا درهمًا، ودرهمان ودرهم إِلَّا درهمًا، وهذا يلفت على أصل، وهو إن قلنا في المسألة الأصولية بعود الاستثناء إلى جميع الجمل معناه العود إلى كلّ واحدة منها بمفردها، وسنحكى فيه خلافًا عن المَاوَرْدِيِّ.

ومن قال بأن معناه العَود إلى المجموع، وهو أولى بأن يجعله ممكن العود إليها حتى في قولك: درهم ودرهم إلّا درهمًا.

ثم قال الشيخ الإمام: وقول الرافعي: يوافق هذا البناء ما ذكره صاحب "التهذيب" إلى آخره، فليس ما قاله صاحب "التهذيب" مُسَلَّمًا له، والوَجْه الرجوع إلى حَفْصة وعمرة جميعًا؛ لأن هذه جملة واحدة تعدّد فيها المبتدأ بالعطف، وقوله: طالقان حكم واحد عليهما، والاستثناء منه، فلا وجه لعوده إلى الأخيرة.

ونظير مسألتنا أن يقول: طلقت حفصة وعمرة إن شاء الله، ومقتضى المذهب أنه لا يقع شيء؛ لأن المشيئة يمكن رجوعها لكل منهما، فإجراء الخلاف الذي ذكره صاحب "التهذيب" غير سديد.

والفرقُ بين الصورتين: أن قوله: طلقت حفصة وعمرة، وإن كان من عطف المفردات، فيحتمل أن يجعل من عطف الجمل، والمعنى على ذلك: فيمكن أن يقال على مذهب أبي حنيفة بالرجوع إلى الأخيرة وَحْدها، بخلاف قوله: حفصة وعمرة طالقان إن شاء الله؛ إذ هي جملة واحدة من كل واحدة، وليس شيء من نظائر ما يجري فيه الخلاف بيننا وبين الحنفية يشبهها، فلا خِلافَ فيها في مذهب الشافعي فَضْلًا عن أن يقال: إن الأصح العود إلى الأخيرة وحدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>