للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا: لا يَبْطُلُ الْقَاطِعُ بِالْمُحْتَمِلِ.

قَالُوا: إِذَا قَالَ: "اقْتُلْ زَيْدًا" ثُمَّ قَالَ: "لا تَقْتُلِ الْمُشْرِكِينَ"؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: "لا تَقْتُلْ زَيْدًا" فَالثَّانِي نَاسِخٌ.

قُلْنَا: الْتَّخْصِيصُ أَوْلَى؛ لأِنَّهُ أَغْلَب، وَلا رَفْعَ فِيهِ كمَا لَوْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ.

فهذا دليلٌ على وقوع تخصيص الكتاب بالكتاب. وقد قيل: إنَّ الخاص في الاثنين متقدّم ورودًا على العام، فإن ثبت هذا كان أيضًا دليلًا على من يجعل الخاصّ المتقدم منسوخًا، [وتتم] (١) به الدعوتان جميعًا [انتهى] (٢).

ومما يدلّ على الأمرين جميعًا أعني: تخصيص الكتاب بالكتاب، وكون العام المتأخر لا ينسخ الخاص المتقدم ما أشار إليه بقوله:

"وأيضًا لا يبطُل القاطع"، وهو الخاص "بالمحتمل"، وهو المدلول عليه بالعام، بل يعمل بالخاص؛ لقوته، سواء أتأخر عنه العام، وهو صورة النزاع مع الحنفية، ومن وافقهم، أم كان أعم من أن يتقدم أو يتأخر، وهو صورة النزاع مع منع تخصيص الكتاب مطلقًا.

فإن قلت: الحنفية لا يسلمون أن المدلول عليه بالعام محتمل، بل يدعونه قطعيًّا؛ لأن دلالة العام عندهم قطعية.

قلت: هم وإن ادّعوه قطعيًّا، فلا يقولون: إن دلالته مساوية لدلالة الخاصّ، وإذا سلموا أن دلالة الخاصّ أقوى تَمَّ الدليل، ولو عبر المصنّف بـ"الأقوى" كما فعل الإمام الرازي، والآمدي فقال: "وأيضًا لا يبطل الأقوى وهو الخاصّ بما هو دونه، وهو العام" لكان أحسن وأسلم عن هذا الإيراد.

ولا يخفى عليك أنا تعسّفنا في تنزيل هذا الدَّليل على الحنفيّة، فإنهم يقولون: إنَّ دلالة العام مساوية لدلالة الخاصّ، فلا [ينهض] (٣) الدليل عليهم.

وإن كانوا غير مخطئين في هذه الدعوى، بل الظن أن من ادَّعى ذلك فقد باهت، والحامل لنا على هذا التعسّف ابتغاء تنزيل كلام المصنّف على المسألتين جميعًا.

وأما الخصوم، وهم فريقان: مانعو تخصيص الكتاب مطلقًا، والقائلون بكون العام المتأخر ناسخًا لا مخصصًا، فقد "قالوا" أجمعون:


(١) في أ، ج: تتم.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ج: ينتهض.

<<  <  ج: ص:  >  >>