وللأصوليين في جواز تخصيص الكتاب أو السنة المتواترة بأخبار الآحاد أقوال: القول الأول وهو المختار في كتب الحنفية: أنه لا يجوز تخصيص الكتاب أو السنة المتواترة بأخبار الآحاد ما لم يخصا بقطعي دلالة وثبوتًا .. وقد نبه الكمال وشارحه صاحب "التيسير" على أن محل الكلام عند الحنفية - وجلى أن مراده المشترطون للمقارنة منهم لأن غير المشترطين لا يحتاجون إلى مثل هذا الغرض - ما لو فرض نقل الراوي أن الخبر قارن نزول الكتاب بأن يروى أن النبيّ ﷺ قرن بتلاوته الكتاب كلامًا دالًا على خروج بعض أفراد الكلام العام، وأنه لم يعلم خلاف بينهم في عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد كما اختلفوا في قطعية العام .. وواضح أن التنبيه على الأول من أجل أن أكثر الحنفية يشترطون المقارنة في المخصص الأول، فلا بد إذا من معرفة تلك المقارنة - وطريقها ما ذكر - ثم الكلام بعد ذلك في كونه مخصصًا أولا، إذ لو لم يظهر ذلك لتوهم أن المنع من التخصيص بناء على فقدان الشرط، وليس كذلك، وعلى الثاني لدفع ما قد يتوهم أن من يرى ظنية العام من الحنفية يرى التخصيص بخبر الواحد، كما هو مذهب غيرهم من الظنيين، فنبه عنى أنه لا خلاف بينهم في عدم الجواز .. هذا ما يؤخذ من كتب المتأخرين منهم، وبالرجوع إلى ما قاله المتقدمون نرى أن أبا بكر الجصاص يذكر في أصوله أن تخصيص عموم القرآن والسنة الثابتة بخبر الواحد يجب أن يراعى فيه أن ما كان من ذاك ظاهر المعنى بين المراد وغير مفتقر إلى البيان ولم يثبت خصوصه بالاتفاق، فإنه لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد، وما كان من ظاهر القرآن أو السنة الثابتة قد ثبت خصوصه باتفاق أو كان في اللفظ احتمال للمعاني أو اختلف السلف في معناه، وسوغوا =