وقع الخلاف في بعضها، هل هي من القَطْعيات أو غيرها؟ فيصرّح في المسألة بالخلاف فيه، كمسألة النَّقض، وتخصيص العموم بالقياس، وخبر الواحد ونحوها، فإذا توقّف الشيخ والقاضي، فاعلم أن وَقْفتهما إنما هي عن القطع، ولا يمنعان الظن.
وأصحابنا يكتفون في العمليات بالظُّنون، ولا يمنعون أن القطع منتفٍ في أكثر المسائل، فالقاضي مثلًا في مسألتنا هذه واقف عن القطع لا عن الظن، وإنما لم يوجب تخصيص الكتاب بالآحاد؛ لأنه لا يعمل بالظنون.
وأصحابنا أيضًا لا ينكرون أن القطع منتفٍ، ولكنهم يخصصونه؛ لأنهم يعملون بالظنون.
وبهذا يتضح لك أنه لا يكاد يقع خلافٌ بيننا وبين الشيخ والقاضي إلا وهذه سبيله، ونحن عند التَّحقيق متفقون على وِجْدان الظَّنّ، ولكن مختلفون في أنه هل يعمل به.
وقد قدمنا عن القاضي في مسألة تعقّب الاستثناء الجمل أنه واقف، مع قضائه برجحان مذهب الشَّافعي؛ ولذلك صرّح في مسائل لا تحصى برجحان أحد المذاهب مع وقفته عن القضاء بمذهب معين؛ لابتغائه القطع، فاحفظ ذلك فهو مفيد نافع، وبه ينجلي لك غَيْهَبُ مشكلة قعد عن القيام بإيضاحها الأكثرون، واستهون بأمرها من لا يدري الحقائق، وهي كثرة ذهاب العلماء إلى الوَقْفِ في مسائل الأصول، وحكاية المحققين وقفهم قَوْلًا مستقلًّا بنفسه، فيحكون مثلًا النفي والإثبات والوقف وعدم ذلك في الفقهيات، فلا ترى الفقهاء يحكون الوقف قَوْلًا، وإن تردّد منهم متردّد في مسألة ذكروا تردّده، ولم يجعلوا له في المسألة قولًا.
وقد قال من استهان بهذا السؤال: إن هي إلا طرائق يسلكها من شاء، ويحيد عنها من شاء، ولم يدر الغبي أن ذلك لدقيقة، وهي أن الفقهيات يكتفى فيها بالظُّنون، وتقل وقفيات الظُّنون، فلا يكاد فرع فِقْهي يستوي الطَّرفان فيه حتى يكون مشكوكًا فقط، وإن وقع ذلك لم يقع إلَّا لواحد من ألف، ثم يقال: إنه متردّد، وربما لم يحك قوله؛ إذ لا فائدة في حكاية حال من لا قول له.
وأما الأصوليات فالمآخذ فيها قطعية، ويكثر الوَقْف فيها؛ لقلة (١) القواطع، ثم السّر