للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في حكاية أقوال الواقفية أنهم قاضون بانتفاء القَطْع، وقائلون عند ذلك بأنه لا عمل؛ إذ لا عضل عندهم إلَّا بقطعي، فحكى مذهبهم لينبّه على أنهم غير عاملين بواحد من المذاهب، بل هم حاكمون بردّ الجميع، راجعون في المسألة إلى البراءة الأصلية.

فإن قلت: فلم يحكى عن بعض الفقهاء تردّدهم في بعض مسائل الفروع؟

قلت: لينبه على أنه ليس لا قول له مخافة أن يتخيّل وقوع الاتفاق في المسألة، وأنها صارت كالقَطْعِيَّات المتّفق عليها، ثم ذلك لم يقع إلا قليلًا، كما لا يرتاب فيه الفقيه، وليس ذلك لينبّه على أنه يعود الحال إلى البواءة الأصليَّة.

وأما وقف الفقهاء في بعض المسائل كقولهم: مال المرتد موقوف، وملك المبيع في زمن الخِيَارِ موقوف، وأمثال ذلك، فذلك الوقف المراعى أي: منتظر إلى انتهائه، وليس المعنى أنه غير محكوم فيه الآن، بل يعلم أن الحكم واقع فيه الآن، ولكن لا يتبين لنا إلا بالآخرة، ثم ذلك قضاء منهم في شيء، فإنه موقوف فيهم قَاضُون لا واقفون، والشيء مَقْضِي عليه بأنه موقوف لا متردّد فيه، ومعنى الوقف ما ذكرناه؛ فليس من وقف الأصوليين في شيء.

فإن قلت: فقد قال الفقهاء: وقف العقود قِسْمَان: وقف تبين، ووقف صحة، ومثلوا وقف التّبين ببيع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا [هو] (١) مَيّت، ووقف الصّحة ببيع الفُضُولي، وكلامكم صريح في أن وقفهم وَقْف تبين فقط.

قلت: هذا الآن خروج عن غرضنا؛ فإن غرضنا حاصل بأنهم لا يعنون بالوقف ما يعنيه الأصولي.

وإن أردت تحقيق ما يعنونه على التفصيل فنقول:

ذكر الإمام في باب النهي عن بيع الغَرَر: أن وقف العقود ثلاثة أصنافٍ: بيع الفضولي، وبيع ما يظنه لأبيه، ثم تبين أنه كان قد مات، والصنف الثالث إذا غصب أموالًا وباعها وتصرف في أثمانها وعسر التتبع، ففي تنفيذها قولان، ولما تكلم الإمام في عِتْقِ الراهن أبدى في بيع الرهن إجمالًا أنه توقف، كبيع المفلس.

قال: ولا محمل لتصحيح بيع المفلس ماله على قولٍ إلَّا الحمل على الوَقْف، ومحمل


(١) في ب: هي.

<<  <  ج: ص:  >  >>