ولما كان علي ﵁ باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام فقال كل منهم: هو ابني، فأقرع علي بينهم، فجعل الولد للقارع وجعل عليه للرجلين ثلثي الدية، فبلغ النبي ﷺ فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي ﵁. واجتهد سعد بن معاذ في بني قريظة، وحكم فيهم باجتهاده، فصوبه النبي ﷺ وقال: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات". واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر، فصوبهما وقال للذي لم يعد: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك"، وقال للآخر: "لك الأجر مرتين". ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد وأسامة ابنه بعضها من بعض سر بذلك رسول الله ﷺ حتى برقت أسارير جهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق، وكان زيد أبيض وابنه أسامة أسود، فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله، وألغى وصف السواد والبياض الذي لا تأثير له في الحكم. وقول الصديق ﵁ في الكلالة: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد، والولد فلما استخلف عمر قال: إني لأستحيى من الله أن أزداد شيئًا قاله أبو بكر. وقال الشعبي: عن شريح قال: قال لي عمر: اقض بما استبان لك من كتاب الله، فإن لم تعلم كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله ﷺ، فإن لم تعلم قضاء رسول الله ﷺ فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين؛ فاجتهد رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح، وقد اجتهد ابن مسعود في المفوضة وقال: أقول فيها برأيي، ووفقه الله للصواب. وقال سفيان بن عبد الرحمن الأصبهاني عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين، فقال: للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال، فقال: تجده في كتاب الله أو تقوله برأيك؟ قال: أقوله برأيي، ولا أفضل أمًّا على أب. وقايس على بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وزيد بن ثابت في المكاتب، وقايسه في الجد والإخوة. وقاس ابن عباس الأضراس بالأصابع وقال: عقلها سواء اعتبروها بها. قال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله ﷺ إلى يومنا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم، قال: وأجمعوا بأن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل، فلا يجوز =