. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والحق: أن المقصود دفع حاجة ستّين مسكينًا، لا مسكين واحد ستّين يومًا لما عرفت.
وما يقولون من "أن دعاء مسكين واحد في ستّين وقتًا أسرع للحاجة" من فضول الكلام؛ فإِن عدد الدَّاعين والشَّافعين أولى من تكرار الدعاء من الشفيع الواحد.
ولو سلم استواؤهما، فذلك إِن فرض أن المسكين يدعو ستّين دعوة، ومن أين لنا أن يفعل ذلك؟!
لا، ومن أين لنا أن الستين يدعون؟ لأنا نقول: العطاء وسد الخَلَّة قرينة في قيام داعية الدعاء، وقد نظرنا نحن وأنتم إِليها.
ولذلك قلنا: إِنَّ الستين يدعون.
وقلتم: إِنَّ الواحد يدعو، وإِن كان الدعاء قد لا يقع لا من السِّتين، ولا من الواحد ألبتّة.
ثُمَّ الواحد إِذا أعطى ستّين مرة يتقاصر داعيته في العطاء الثاني، والثالث، وهلمّ جَرًّا عن الدعاء، وهذا ما لا مراء فيه؛ فإِن العطيّة الأولى أنجح في قيام الدَّاعية، ويتلوها الثَّانية، وهكذا، ولا كذلك عطاء ستّين نفسًا؛ لأن العَطَاء بالنسبة إِلى كلّ منهم أول عطاء، فتقوم عنده الداعية.
ولو سلّم الاستواء من كلّ وجه، فذلك حيث لا يكون صَرَاحة تدفع أحد الأمرين.
واللَّفظ صريح في ستّين مسكينًا، فلماذا يخرج عنه؟
ثم قال أئمتنا في إِفحامهم: لا يخفى على من شَذَا طرفًا من العربية أن ما تعدّى إِلى مفعولين، وإِفراد أحدهما بالذكر أن الإِفراد دليل الاهتمام به، فإِذا قلت: أطعمت زيدًا، ولم تذكر ما أطعمته دلّ على اهتمامك إِنما هو بأصل إِطعامه، لا بما أطعمته.
وإِن قلت: أطعمت البُرّ مثلًا ولم تذكر من أطعمت دلّ على أن اهتمامك إِنما هو بِمَا أطعمت لا بِمَنْ أطعمت.
وإِن أنت اهتممت بالأمرين جميعًا أبرزتهما معًا فقلت: أطعمت زيدًا البُرّ.
ومن هذا قوله: ستّين مسكينًا، ولم يقل: ستّين مسكينًا مُدًّا، وذلك آية أن المقصود