الأعظم إِطعام هذا العدد من المَسَاكين، لا المعدود من الأمداد. هذا ما ذكره أصحابنا، وأطنب فيه إِمام الحرمين.
وقد انتصر أبو عبد الله المَازِرِيّ للحنفية، وإِن كان لا يوافقهم في حكم المسألة بوجهين: فقهي، ونحوي.
أما الفقهي: فقال ما حاصله: لا يلزم من مذهبهم إِبطال النص إِلَّا لو جوزوا إِعطاء المسكين الواحد ستّين مُدًّا في يوم واحد، والقوم لا يقولون ذلك، بل يراعون صورة العَدَد، ويشترطون في تكرير ذلك على المسكين الواحد تكرر الأيّام، فرأَوا أن الله - تعالى - أمر بإِطعام ستّين مسكينًا؛ ولم يعين مسكينًا من مسكين، ولا خلاف أن المساكين لم يعينوا، وأطعم مسكينًا آخر، فإِذا انتهى به التَّكْرَار إِلى ستّين يومًا صار مطعمًا ستين مسكينًا، لكون هذا المسكين كلّ يوم من جملة المساكين، فإِذا لم يخلوا بصورة العدد المنصوص لم يكونوا مُعَطّلين للنص.
وأما النحوي، فذكر أن سيبويه قال: إِنّ المصدر يقدر بـ "مَا" وبـ "أَنْ"، فإِذا قدّرنا المصدر هنا، وهو الإِطعام بمعنى "مَا" اقتضى ذلك ما قالته الحنفيّة، ويكون التقدير: فَمَنْ لم يستطع فما يطعم ستّين مسكينًا.
وإِن قدّر بـ "أن" كان التقدير: فعليه أن يطعم ستين مسكينًا، وهذا التقدير الآخر يخرج إِلى ما لا يريد.
فقال: فقد زاحمنا أبَا المَعَالي - يعني: إِمام الحرمين - فيما تعلّق به من صناعة النحو.
وذكرنا أن لأبي حنيفة متعلقًا بها من وجه آخر ذكره الإِمام الأول فيها، وهو سيبويه.
قلت: أما الوجه الأول، فإِنا نقول عليه: القوم وإِن لم يخلُّوا بصورة العدد، فقد أخلّوا بصورة المعدود، وهو الستون من المساكين.
وقولكم: ينجر إِلى إِطلاق "ستين" على مسكين واحد، ونحن نحاكمكم إِلى أهل اللسان؛ فإِنهم يأبون إِطلاق الستين على الواحد، سواء أعطى في ستين مسكين يومًا [أم لا](١)، فقد عطلوا من النص لفظ الستين، وكل تأويل عطل النص أو شيئًا من النص، فهو