(١) وأما العلامة المصنف ابن السبكي فإنه في جمع الجوامع قصر المنطوق على ما يسمى بالصريح في كلام ابن الحاجب، وجعل ما سماه ابن الحاجب منطوقًا غير صريح. تابعًا للمنطوق، أي: واسطة بين المنطوق والمفهوم، فجعل مدلول اللفظ ثلاثة أقسام منطوقًا وتابعًا له ومفهومًا، بخلاف ابن الحاجب، فإنه جعل المنطوق قسمين صريحًا، وغير صريح وحصر الدلالة في المنطوق والمفهوم، ودلالة الاقتضاء، والإيماء، والإشارة من قبيل المنطوق عند ابن الحاجب، وتابعة له عند ابن السبكي. وأنت إذا تصفحت كتب الأصول المتداولة بين أيدينا وجدتها مطبقة على حصر الدلالة، أو المدلول في المنطوق والمفهوم، وأن أكثرها جار على تقسيم المنطوق إلى صريح وغيره .... إلخ. نعم بعض الشافعية جعل غير الصريح من المفهوم، لكنه متفق مع غيره على الحصر في المنطوق والمفهوم، أمَّا القول بالواسطة، وتثليث القسمة فلم أره لغير ابن السبكي والآمدي، فهذا صاحب "التحرير، وصاحب "المسلم"، والأزميري وغيرهم ينقلون عن الشافعي مثل ما قاله ابن الحاجب. وبالجملة فقد تابع ابن الحاجب على هذا التقسيم كل من جاء بعده من المصنفين فيما علمت إلا ابن السبكي مع أنه تابعه عليه في شرحه "المختصر" دون تعقب له في ذلك، ولهذا نرى بعض الأصوليين حاول حمل كلام ابن السبكي في "جمع الجوامع" على ما يوافق طريقة ابن الحاجب، ولكنها محاولة فيها بُعْدٌ وتكلف. فظهر بهذا أن كلام ابن الحاجب في هذا المقام هو الذي يصور لنا طريقة القوم، كما يظهر لنا رجحان طريقته في هذا التقسيم على طريقة ابن السبكي؛ لأنها أكثر دقة ومتابعة لما عليه جمهور الأصوليين، ولهذا عدل عليها أكثر المصنفين في الأصول.