للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وسيقول في مفهوم المُخَالفة؛ وشرطه ألَّا يظهر أولوية، ولا مساواة في المسكوت، فيكون موافقة، وهو صريح في أن الأولوية غير مشترطة.

ويدلّ له إطلاقه هنا من قبل حيث قال في تعريفه: أن يكون موافقًا في الحكم، ولم يقيده بوجه الأولوية.

فأما اشتراط الأولوية، فهو ظاهر المنقول عن الشَّافعي وعليه يدلّ كلام أكثر أئمتنا (١).


(١) شروط تحقق مفهوم الموافقة اتفق الفقهاء والأصوليون القائلون بمفهوم الموافقة: على أنه يشترط لتحققه، وبعبارة أخرى لتحقق دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق للمسكوت عنه: أن يوجد في المنطوق معنى يفهم منه كل من يعرف اللغة أن الحكم فيه إنما ثبت لأجل هذا المعنى، وأن يكون هذا المعنى موجودًا في المسكوت عنه، وألا يكون في المسكوت عنه أقل مناسبة واقتضاء للحكم منه في المنطوق. وأن مفهوم الموافقة ينتفي بانتفاء أحد هذه الشروط الثلاثة، ثم نراهم اختلفوا بعد ذلك في أنه هل يشترط في المعنى الذي ثبت الحكم من أجله، أن يكون في المسكوت أشد مناسبة، واقتضاء للحكم منه في المنطوق، فلا يكفي في الدلالة، والتسمية بمفهوم الموافقة أن يكون مساويًا، أو لا يشترط ذلك فيكفي أن يكون مساويًا؟.
فذهب سيف الدين الآمدي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي إلى أنه يشترط في مفهوم الموافقة أن يكون المسكوت أولى باستحقاق الحكم من المنطوق؛ لكون مناط الحكم فيه أقوى اقتضاء للحكم منه في المنطوق، كما في دلالة النهي عن التأفيف على تحريم الضرب ونحوه.
قال سيف الدين الآمدي في "الإحكام": "أما مفهوم الموافقة، فما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقًا لمدلوله في محل النطق" ثُمَّ مثل له بعدة أمثلة، ثم قال: والدلالة في جميع هذه الأقسام لا تخرج من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى، وبالأعلى على الأدنى، ويكون الحكم في محل السكوت أولى منه في محل النطق، وإنما يكون كذلك أن لو عرف المقصود من الحكم في محل النطق من سياق الكلام، وعرف أنه أشهر مناسبة، واقتضاء للحكم في محل السكوت من اقتضائه له في محل النطق، وذلك كما عرفنا من سياق الآية المحرمة للتأفيف أن المقصود إنما هو كف الأذى عن الوالدين، وأن الأذى في الشتم والضرب أشد من التأفيف، فكان التحريم أولى، وإلا فلو قطعنا النظر عن ذلك لما لزم من تحريم التأفيف تحريم الضرب.
فالآمدي إذًا صريح في اختياره القول باشتراط الأولية، وهذا المذهب هو قضية ما نقله أبو =

<<  <  ج: ص:  >  >>