ولم يكن الواحدي هو القائل بأن الذبيح إسحاق، فلقد سبقه إلى هذا الرأي ابن جرير الطبري في تفسيره، فبعد أن ذكر آراء كل من الفريقين رجح بأن الذبيح إسحاق. ولكنا نرى أن الواحدي وابن جرير ومن قال قولهما بأن الذبيح إسحاق قد جانبهما الصواب في هذا الأمر، فإن ظاهر الآيات والأحاديث والآثار الثابتة تدل على أن الذبيح إسماعيل، ولكن اليهود تسللوا إلى الرواية في الإسلام، فدسوا فيها بعض الروايات الضعيفة التي تدل على أنه إسحاق، وهذا من عداوة اليهود المتأصلة للعرب، فلقد أرادوا ألا يكون للجد الأعلى للنبي الأمي فضل أو مزية، حتى لا ينجر هذا الفضل إلى نبينا محمد ﷺ وبالتالي إلى الجنس البشري العربي، ولم يقف أمرهم عند حد الدس في الروايات الإسلامية، بل قام أسلافهم بتحريف التوراة ذاتها، حتى يتم لهم ما أرادوا، ولكن الله أبى إلا أن يغفلوا عما يدل على هذه الجريمة، والجاني - غالبًا - يترك ما يدل على جريمته، والحق يبقى له شعاع، ولو خافت، يدل عليه مهما حاول المبطلون إطفاء نوره وطمس معالمه، فقد حذفوا من التوراة لفظ إسماعيل، ووضعوا بدله لفظ إسحاق: ولكنهم غفلوا عن كلمة كشفت عن التزوير وعن هذا الدس المشين، ففي التوراة: (الإصحاح الثاني والعشرون) فقرة ٣: فقال الرب: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأصعده هناك محرقه على أحد الجبال الذي أقول لك". وليس أدل على كذب هذا من كلمة: وحيدك، وإسحاق ﵇ لم يكن وحيدًا قط؛ لأنه ولد ولإسماعيل ﵇ نحو أربع عشرة سنة كما هو صريح في توراتهم في هذا، وقد بقي إسماعيل ﵇ حتى مات أبوه الخليل، وحضر وفاته ودفنه، وإليك ما ورد في التوراة: في سفر التكوين (الإصحاح السادس عشر الفقرة ١٦) ما نصه: وكان أبرام - يعني إبراهيم - ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام. في سفر التكوين (الإصحاح الحادي والعشرون فقرة ٥) .. وكان أبرام ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق ابنه، وفي الفقرة ٩ وما بعدها ما نصه: رأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابنى إسحاق، فقبح الكلام جدًّا في عيني إبراهيم لسبب ابنه، فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام، ومن أجل =