للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإن قلت: كيف يستحيل عند المعتزلة إثبات ذابح ولا مذبوح مع قولهم: يجوز


= جاريتك في كل ما تقوله سارة اسمع لقولها؛ لأنه بإسحاق يدعى لك نسل، وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة؛ لأنه نسلك إلى آخر القصة.
فما قولكم أيها اليهود المحرفون؛ وكيف يتأتى أن يكون إسحاق وحيدًا؟ مع هذه النصوص التي هي من توراتكم التي تعتقدون صحتها، وتزعمون أنها ليست محرفة؟
وقد دلت التوراة ورواية البخاري في صحيحه على أن الخليل إبراهيم أسكن هاجر وابنها عند البيت المحرم حيث بنى فيما بعد، وقامت مكة بجواره، وقد عبرت التوراة بأنهما كان في (برية فاران) وفاران: جبال بـ"مكة".
وهذا هو الحق أن قصة الذبح بـ"مكة" مسرحها وحيث يذبح الحجاج ذبائحهم اليوم، وقد حرفوا في النص الأول، وجعلوه جبل المرايا، وهو الذي عليه مدينة أورشليم بمدينة القدس العربية؛ ليتم لهم ما أرادوا، ولكن أبى الحق إلا أن يظهر تحريفهم.
وقد ذكر العلامة الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن كثير أن في بعض نسخ التوراة (بكرك) بدل من وحيدك وهو أظهر في البطلان، وأدل على التحريف؛ إذ لما لم يكن إسحاق بكرًا للخليل بنص توراتهم كما ذكرنا آنفًا؛ فالحق أن الذبيح هو إسماعيل ، وهو الذي يدل عليه ظواهر الآيات القرآنية، فلا عجب أن ذهب إليه جمهرة الصحابة والتابعين، ومن بعدهم وأئمة الحديث منهم السادة العلماء: علي، وابن عمر وأبو هريرة، وأبو الطفيل، وسعيد بن جبير، ومجاهد والشعبي، والحسن البصري، ومحمد بن كعب القرظي، وسعيد بن المسيب، وأبو جعفر محمد الباقر، وأبو صالح، والربيع بن أنس، والكلبي، وأبو عمرو بن العلاء، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس. وفي زاد المعاد لابن القيم: أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وهذا الرأي هو المشهور عند العرب قبل البعثة، وذكره أمية بن أبي الصلت في شعر له.
وقد نقل العلامة ابن القيم عن شيخه الإمام ابن تيمية في هذا كلامًا قويًا حسنًا، أحببت نقل خلاصته لما فيه من الحجة الدامغة قال: (ولا خلاف بينهم - أي النسابين - أن عدنان من ولد إسماعيل وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين، ومن بعدهم.
وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول: (هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم) فإن فيه (أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره) وفي لفظ: وحيده ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده، والذي غر أصحاب هذا القول أن في التوراة التي=

<<  <  ج: ص:  >  >>