ثم قال - تعالى: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فهذه بشارة من الله تعالى له: شكرًا على صبره على ما أمر به، وهذا ظاهر جدًّا في أن المبشر به غير الأول، بل هو كالنص فيه. وأيضًا فلا ريب أن الذبيح كان بـ"مكة"، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعي بين الصفا والمروة، ورمى الجمار تذكيرًا لشأن إسماعيل وأمه، وإقامة لذكر الله، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بـ"مكة"، دون إسحاق وأمه، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل، وكان النحر بـ "مكة" من تمام حج البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل، زمانًا ومكانًا، ولو كان الذبح بالشام - كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة. وأيضًا فإن الله ﷾ سمى الذبيح حليمًا؛ لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه عليمًا فقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ … إلى أن قال: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: ٢٤ - ٢٨]. وهذا إسحاق بلا ريب؛ لأنه من امرأته، وهي المبشرة به، وأما إسماعيل فمن السرية - يعني هاجر. وأيضًا فلأنهما بشرا به على الكبر، واليأس من الولد، وهذا بخلاف إسماعيل؛ فإنه ولد قبل ذلك. وأيضًا فإن سارة امرأة الخليل ﷺ غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة، فإنها كانت جارية، فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة سارة، فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها هاجر وابنها، ويسكنها في أرض مكة؛ لتبرد عن سارة حرارة الغيرة، وهذا من رحمة الله تعالى بها ورأفته وإبعاده الضرر عنها، وجبره لها، فكيف يأمر بعد هذا بذبح ابنها دون ابن الجارية؟ بل، =