للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وليس ينسخ فرض أبدًا إلا أثبت مكانه فرض كما نسخت قِبْلَة "بيت المقدس"، فأثبت مكانها "الكعبة" … انتهى.

وظاهرها: أنه لا ينسخ الفرض إلا ببدل هو فرض أيضًا.

وإنما أراد الشَّافعي بهذه العبارة - كما نبّه عليه أبو بكر الصَّيرفي في "شرح الرسالة" - أنه ينقل من حظر إلى إباحة، أو إباحة إلى حظر، أو تخيير على حسب أحوال الفروض، قال: ومثل ذلك المُنَاجاة، كما يناجي النبي بلا تقديم صدقة، ثم فرض الله - تعالى - تقديم الصَّدقة، ثم أزال ذلك، فردهم إلى ما كانوا عليه، فإن شاءوا تقرّبوا بالصدقة إلى الله - تعالى - وإن شاءوا ناجوه من غير صدقة قال: فهذا معنى قول الشَّافعي : فرض مكان فرض، فافهمه انتهى.

فقد وضح أن مراد الشَّافعي بالبدل الذي ذكر أنه لا يقع النسخ إلا به: انتقالهم من حكم شرعي إلى حكم شرعي، وذلك أعم من أن يعادوا إلى ما كانوا عليه مثل المُنَاجاة، وإليها أشار الصيرفي بقوله: رذهم إلى ما كانوا عليه. [أو] (١) يحدث شيء مغاير لذلك كما في نسخ التوجّه إلى "بيت المقدس" بالكعبة، وليس مراد الشافعي بالبدل: أنه لا بد من بدل غير [ما] (٢) كانوا عليه، بل البدل أعم من ذلك.

والمقصود أنهم ينقلون من حُكْمٍ شرعي إلى مثله، ولا يتركون غير محكوم عليهم بشيء.

إذا عرفت ما أراده فنقول: هذا شيء لا ينبغي لمن له أدنى اطلاع على الشريعة أن يخالف فيه، فما في الشريعة مَنْسوخ إلَّا وقد انتقل عنه إلى أمر آخر هو حكم شرعي، ولو أنه إلا صيرورة ما كان واجبًا مباحًا وذلك بدل؛ إذ هو حكم أيضًا، فلم يترك الرب - سُبْحانه - عبارة هملًا، فالصور أربع:

إحداها: الجواز، ولا يخالف فيه إلَّا بعض المعتزلة والظاهرية.

والثانية: وقوعه بلا بدل أصلًا، بحيث يعود الأمر كهو قبل ورود الشَّرائع، مثل أن يقول: نسخت وجوب الصَّدقة عند المُناجاة، وصيرت الحال بعد النسخ غير محكوم فيه


(١) في ب: إذ.
(٢) سقط في ت، ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>