للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بشيء، بل هو كالأفعال قبل الشرع، وهذا مع جوازه لا يقع، ولا نحفظ أحدًا قال بوقوعه، وقائله مطلوب بتصديق دعواه بصورة يوردها، ولن يصل إلى ذلك.

والثالث: وقوعه ببدل من الأحكام الشَّرعية إما إحداث أمر مغاير لما كان واجبًا أو لا، كالكعبة بعد المقدس، أو الحكم بإباحة ما كان واجبًا كالمُنَاجاة والنسخ لم يقع إلا هكذا كما قال الشافعي، وهو قضية كلام القاضي، وهو الحق؛ فما من صورة نسخت إلا وقد انتقل عنها إلى حكم شرعي، ولو أنه إلا إباحة الترك إن كان ما تقدم وجوبًا كالصدقة عند المُنَاجاة، أو [تأصيل] (١) أمر آخر كالكعبة بعد "بيت المقدس".

والرابعة: وقوعه ببدل بشرط أن يكون تأصيلًا لأمر آخر، كالكعبة بعد "بيت المقدس"، وهذا المردود في الكتاب، ولم يشترطه الشافعي، ومن ذهب إليه بقول مردود عليه.

وإن رأيت أحدًا نقله عن الشَّافعي، فاعلم أنه لم يفهم مراد الشَّافعي بالبدل، وربما [أُتى] (٢) أقوام من عدم عِرْفَانهم ما يعنيه اللَّافظ بلفظه.

وكلام إمام الحرمين في كتاب "التلخيص" مختصر "التقريب" و"الإرشاد"، للقاضي كالنص فيما قررنا؛ إذ قال بعد أن ذكر أنه يجوز النسخ إلى بدل ما نصّه: فإن قال قائل: كيف يتصور ذلك؛ ولو وجبت عبادة فمن ضرورة نسخ وجوبها إباحة تركها، والإباحة حكم من الأحكام، وهو بدل من الحكم الثابت أولًا، وهو الوجوب.

قلنا: من مذهب من يخالفنا أن العبادة لا تنسخ إلا بعبادة ولا يجوزون نسخها بإباحة، على أن ما طالبتمونا به يتصور بأن يقول الرب سبحانه: نسخت عنكم العبارة، وعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل ورود الشَّرائع، وهذا مما يعقل ولا ينكر.

فإن استروحوا في منع ذلك بقوله ﷿: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [سورة البقرة: الآية ١٠٦]، وهذا تصريح بإثبات البدل.

قلنا: هذا إخبار عن أن النسخ يقع على هذا الوجه، وليس فيه ما يدل على أنه لا يجوز وقوع النسخ على غير هذا الوجه. انتهى.


(١) في ب: بأصل.
(٢) في أ، ت: أبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>