(١) من هنا أحب أن أتطرق لموضوع النسخ، فمنهم من ذهب إلى أن النسخ كما يكون في الأوامر والنواهي يكون في الأخبار، وينسب لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدى حيث قالا: "قد يدخل النسخ على الأمر والنهي وعلى جميع الأخبار، ولم يفصلا، وتابعهما على هذا القول جماعة. قال أبو جعفر: "وهذا القول عظيم جدًّا يؤول إلى الكفر"؛ لأن قائلًا لو قال: "قام فلان" ثم قال: "لم يقم" ثم قال "نسخته" "لكان كاذبًا". وبعضهم ذهب إلى أن أمر الناسخ والمنسوخ موكول إلى الإمام، فله أن ينسخ ما شاء. وهذا القول أعظم؛ لأن النسخ لم يكن إلى النبيّ ﷺ إلا بالوحي من الله تعالى، إما بقرآن مثله على قول قوم، وإما بوحي من غير القرآن؛ فلما ارتفع هذا بموت النبيّ ﷺ ارتفع النسخ. ومنهم من ذهب إلى أن النسخ يكون في الأوامر والنواهي، وأما الأخبار فيفصل فيها بين ما فيه حكم فيجوز النسخ فيه، وبين ما لا حكم فيه فلا يجوز. ومنهم من ذهب إلى أن النسخ يكون في الأوامر والنواهي خاصة. وهذا المذهب حكاه هبة الله بن سلامة عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة بن عمار. وهناك مذهب خامس عليه أئمة العلماء، وهو أن النسخ إنما يكون في المتعبدات؛ لأن لله ﷿ أن يتعبد خلقه بما شاء إلى أي وقت شاء ثم يتعبدهم بغير ذلك، فيكون من النسخ في الأوامر والنواهي وما كان في معناهما مثل قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً=