والقول بأن نسخ السُّنة بالكتاب جائز، ولكن لم يقع هو رأي ابن سُرَيْجٍ إمام أصحابنا.
فإن قلت: فهل هو القول المَنْسوب إلى الشَّافعي ﵁؟.
قلت: تمهل قليلًا، واعلم أن هذا مكان وقع فيه الخَبْط والخطأ على الشافعي قديمًا، واطْلخم الأمر حتى أفضى إلى انكفاف طائفة من المُغَالين في نصرة آرائه عنه، ونقل شمس الإسلام إلكيا الهراسي ﵀ أن عبد الجَبَّار بن أحمد القاضي كان ينصر مذهب الشَّافعي في الأصول، فلما وصل إلى هذا المكان قال: هذا الرجل كبير، ولكن الحق أكبر منه، وفهم جماعة كلامه حق الفهم، وتابعوه، وصمموا على صحة مقالته.
وخص منهم بالتصنيف في المسألتين. الإمام الجليل أبو الطيب سهل ابن الإمام أبي سهل الصّعلوكي، وقد كان سهل إمام زمانه بإجماع النَّقلة، وكذلك الأستاذان الكبيران أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو منصور عبد القاهر بن طاهر البَغْدَادي، فصنف كلّ منهم فيهما مصنفًا.
والذي أقوله: إن الشافعي لم يمنع الجواز العَقْلي، بل لم يتكلّم الشَّافعي في كتبه قطّ في الجواز العقلي.
والكلام فيه عنده تضييع الأوقات، يعرف ذلك منه من غرفه، ويجهله من جهله.
ثُمّ المنع العقلي إن أراد به قائله: أنه يلزم من فرض وقوعه مُحَال، فقد سفه نفسه، واستحق أن يعرض عنه.
وإن أراد أن العقل يقضي بقبحه، فهو معتزلي، والشَّافعي برئ من المقالتين، فمن قال: إنه بواحدة منهما فقد أعظم الفِرْيَةَ عليه.
ولو أراد الشَّافعي أن العقل يحسن أو يقبح لوقع ذلك من القاضي عبد الجَبَّار الذي هو شيخ المعتزلة في زمانه أعظم موقع.
فإن قلت: فقد قال ابن السَّمْعَاني: إن ظاهر مذهبه منع العقل والشرع جميعًا من ذلك.
قلت: يجب تأويل كلامه على أن يراد بالقياس القياس، والفقهاء كثيرًا يطلقون العقل، ويريدون ذلك كما قدّمنا في مسألة التحسين والتقبيح في صريح نقل الشيخ أبي إسحاق أنَّ الشَّافعي لا يمنعه إلَّا سمعًا كما رأيت.