للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والقاضي أبو الطَّيب - كما عرفناك - أطلق الجواز، ويظهر أن يراد به السمعي؛ فإنه الذي نقله تلميذه الشيخ أبو إسحاق.

وإذا عرفت انتفاء إرادته نفى الجواز العَقْلي، فنقول: وراءه الجواز السمعي، فهل يقول الشافعي: إن الشَّرع منع منه، فامتنع سمعًا لئلا يتوهم بعض الأغبياء أن الله تعالى لم يرض بما سَنَّهُ نبيه ، فلا يحصل مقصود السمعية؟ صريح نقل الشيخ أبي إسحاق وغيره كما رأيت أن الشافعي قائل بذلك.

وأنا أقول: لم أجد مع تنقيبي عن ذلك في نصوصه تصريحًا به، ولكن القوم أئمة مذهبنا وأَدْرَى بمقالات إمامنا، ووراء الجواز السمعي الوقوع، وكل من منعه سمعًا قال: لم يقع لأن الشرع لا يرد بما يمتنع سمعًا.

فإن كان الشَّافعي يمنعه سمعًا فلا رَيْبَ في أنه يدعى عدم الوقوع.

وإن لم [يمنع] (١) فقال الأكثرون: وقع.

وقيل: لا، وهو منسوب إلى الشَّافعي، ووراء الوقوع أمرَ آخر، وهو أنه إذا وقع نسخ السُّنة بالكتاب، فعلى أي وجه يكون؟.

هل يشترط اقتران سنة مُعَاضدة للكتاب ناسخة، فنقول مثلًا: لا يقع نسخ السُّنة إلا بالكتاب والسُّنة معًا؛ لتقوم الحُجّة على الناس بالأمرين معًا، ولئلا يتوهّم [متوهم] (٢) انفراد أحدهما عن الآخر؛ فإن الكُلّ في الحقيقة من عند الله؟!.

ولكن لبيان حكم الله سبحانه طريقان: طريق الكتاب، وطريق السُّنة، فليجتمعا في هذا الموضع إزالة لهذا المتوهّم؛ ولتقوم الحُجّة على النَّاس بهما، ولأمر ثالث، وهو انتقال المكلّفين من سنّة النبي إلى سُنته.

وفي ذلك فائدتان:

إحداهما: التنويه بقدره وإظهار عظمته، وهذه الفائدة في عكس هذه المسألة، وهي نسخ القرآن بالسنة أظهر منها فيها مع ظهورها في الموضعين؛ لأن سنته عليه الصلاة


(١) في ج: يمنعه.
(٢) سقط في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>