والسلام إذا نسخت القرآن، فأنزل الله تعالى قرآنًا يوافقها، ففي ذلك من الإجلال والتَّعْظيم ما لا يخفي على ذي لُبّ.
والفائدة الثانية: وهي في مسألتنا التي نحن فيها نسخ السُّنة بالكتاب أظهر منها في عكسها، انتقال النَّاس من سنة إلى سنة، فيحصل له أجر عظيم؛ لأن من سن سُنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، والنبي ﷺ وهو صاحب السُّنن الحسنة كلّها، فله الأجور أبدًا لا يتناهى، وفي كلّ يوم يزداد من الأجور ما لا ينحصر، فإذا نسخ الله سُنّته، نسختها سُنَّة أيضًا ليحصل له الأجر.
وهذا الموضع - وهو أنه إذا وقع نسخ الكتاب بالسُّنة، وعكسه لا يقع إلَّا على هذا الوجه - لم يصرّح أهل الأصول بذكره، والشَّافعي قائل به، وهو الحَق إن شاء الله تَعَالى، ودليله الاستقراء، وهو سيّد العارفين بالشريعة والمطّلعين على منقولاتها، فلم يقله إلَّا عن ثبت.
وهذه نصوص الشَّافعي ﵀ الشَّاهدة لقوله بهذا، وليس فيها ما يقتضى أنه يقول بشيء غيره كما عرفناك.
قال ﵁ في "الرسالة" ما نصه: وهكذا سُنّة رسول الله ﷺ لا ينسخها إلا سُنّة رسول الله، ولو أحدث الله لرسوله في أمر سنّ فيه [غير ما سَنَّ](١) رسول الله ﷺ لسن فيما أحدث الله إليه حتى يتبّيىن للنَّاس أنه له سُنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها. انتهى.
ومن صدر هذا الكلام أخذ من نقل عن الشَّافعي - والله أعلم - أن السُّنة لا تنسخ بالكتاب، والذي يظهر أنه إنما أراد ما ذكرناه.
وقوله:"ولو أحدث الله إلى آخره"، صريح في ذلك، وكذا قوله بعد ذلك ما نصّه:
فإن قلت: هل تنسخ السُّنة بالقرآن؟.
قيل له: لو نسخت السُّنة بالقرآن كانت للنبي ﷺ فيه سُنّة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسُنّته الأخيرة، حتى تقوم الحُجّة على النَّاس بأن الشيء ينسخ بمثله. انتهى.