يترتب على هذا الخلاف .. أن الشافعية أثبتوا زيادات على الكتاب بخبر الواحد؛ لأنهم لم يعتبروا ذلك نسخًا. وذلك بين في مواضع كثيرة كما في الأمثلة التي قدمناها، وكما في جعل التحريم في الرضاع بخمس رضعات مع إطلاق القرآن، وكما في اشتراط الفاتحة لصحة الصلاة مع اقتضاء عموم الكتاب لإجزاء ما تيسر من القرآن، بخلاف الحنفية فإنهم لا يرون ذلك. والحق في ذلك ما ذهب إليه الشَّافعية حيث يترتب على اتباع مذهب الحنفية خلل عظيم، فإن كثيرًا من شروط المعاملات لم يشترطها القرآن وجاءت بها السنة، ومع هذا فقد جعل الحنفية صحة تلك متوقفة عليها .. وإليك مثالًا يوضح ذلك: قال الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ وهذا مطلق ينتظم البيع بشرط وبغير شرط، ومع هذا فقد قال الحنفية بفساد بيع وشرط عملًا بالحديث .. مع أن البيع عقد جائز بمقتضى إطلاق الكتاب، وليس هناك من فرق بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ حيث لم يروا تقييد صحة الطواف بالحديث القائل: "الطواف بالبيت صلاة" ولم يروا تقييد قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ بقوله ﷺ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ومن ذلك كثير يحوجهم في أكثر الأحيان أن يتكلفوا إجابات بعيدة اللهم إلا أن يقولوا إن القيود التي يفيد بها مطلق الكتاب إن ثبتت بالسنة الصحيحة تعتبر بيانًا متصلًا بنص الكتاب وليس من النسخ في شيء، فكأن الله سبحانه شرع أصل العبادة أو العقد ثم وكل إلى رسوله المبين عنه بيان مشروط كل منهما، وهذا هو المراد. ينظر: البرهان ٢/ ١٣٠٩ - ١٣١١، والمحصول ١/ ٣/ ٥٤٣، وشرح العضد ٢/ ٢٠٢، والمعتمد ١/ ٤٣٧، والمستصفى (١/ ١١٧)، والمنخول (٢٩٩ - ٣٠٠)، والإحكام للآمدي ٣/ ١٥٥ (١٨)، والترياق النافع ١/ ٢٤٤ - ٢٤٥، وشرح تنقيح الفصول ٣١٧، والتبصرة (٢٧٦)، وجمع الجوامع ٢/ ٩١، والروضة (٤١)، وإرشاد الفحول ١٩٤، والمسودة ٢٠٧، وتيسير التحرير ٣/ ٢١٨، والتلويح ٢/ ٣١٨، وأصول السرخسى ٢/ ٨٢، والعدة ٣/ ٨١٤، وميزان الأصول (٢/ ١٠١). (١) في ج: في.