للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهذا بخلاف ما لو قال الله: حَدّ الزنا مائة بلا زيادة، أو كمال حدّه مائة، فإن ذلك يكون نسخًا لا مَحَالة؛ لأنه رفع ما ورد عليه الشَّرع وحكم به وقرره.

فإن قلت: أليس رفع إيجاب التَّغْريب كون الفاء للجزاء في قوله تعالى: ﴿فَاجْلِدُوا﴾ [سورة النور: الآية ٢]؛ إذ الجزاء ما يكون كافيًا، وكونه كافيًا على لسان الشَّرْع يمنع وجوب غيره شرعًا، فيكون برفعه رفعًا لما ثبت شرعًا.

قلت: أما كون الفاء للجزاء، فممنوع، وإنما هي للترتيب والتَّعْقيب [والسَّببية] (١) نحو: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ﴾ [سورة هود: الآية ٤٥] فقال: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ [سورة المؤمنون: الآية ١٤]، ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [سورة القصص: الآية ١٥]، ثم إنها تستعمل في الجزاء باعتبار التعقيب؛ إذ الجزاء يوجد عقيب الشرط، فلا دلالة لها على خصوصية الجزاء.

سلّمنا أنها للجزاء، ولكن لا نسلم أن الجزاء ما يكون كافيًا، وسنده أنه يصحّ قولك: هذا كل الجزاء أو بعض الجزاء، ولو كان اسمًا للكافي لكان الأول تكرارًا، والثاني بعضًا.

سلمنا لكن إنما يكون نسخًا لو ثبت أن ورود الخبر كان بعد حضور وقت العمل بالنَّص؛ إذ بتقدير وروده قبل، يكون دليلًا على أنه لم يرد منه حقيقته، ورفع حكم الدليل إنما يكون نسخًا بعد ثبوت حكمه واستقراره، أما قبل فلا؛ لاحتمال أن يقال: [إنه ما] (٢) أريد به ذلك الحُكْم، واللَّفظ مستعمل على وجه التجوز، ولم يبين إذ ذاك؛ فإن تأخير البيان جائز إلى وقت الحاجة، والحَمْل على ذلك أولى من حمله على النسخ.

سلّمنا لكن نحن إنما نقبل الخبر بتقدير ألا يكون في النص ما يدلّ على نفي مدلوله، فلو ثبت أن فيه ذلك لم نقبله، كما عُرِفَ.

فإن قلت: أليس إن المائة إذا وجبت وسكت النَّبي عن ذكر التغريب، ثم ذكره في ثاني الحال، كان سكوته أولًا سكوتًا عن البيان وقت الحاجة، والسّكوت عن البَيَانِ وقت الحاجة بيان، أن ما وقع [عند] (٣) السكوت، فليس محكومًا به،


(١) في أ، ت، ج: والتنبيه.
(٢) في ج: إنما.
(٣) في ج: إنما حصل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>