فيكون الشَّارع بالسكوت عن ذكر التغريب نافيًا له، فإذا أثبت في ثاني الحال كان رفعًا لما ثبت شرعًا، وهو حقيقة النَّسْخ.
قلت: لا نسلم أن السكوت عن التغريب سكوت عن البَيَانِ وقت الحاجة؛ فإنه لم يثبت أنه لما سكت عن ذكر التغريب كانوا محتاجين إلى بيان حَدِّ الزاني.
سلمنا، ولكنه سكوت عما لم يحكم الشرع بإيجابه، وهو منتفٍ بالبراءة الأصلية.
قولكم: فيكون الشارع بالسكوت نافيًا له.
قلنا: ليس معنى كونه نافيًا له إلّا أنه لم يجب شرعًا، ونحن قائلون بهذا، وكل باقٍ على البراءة الأصلية، فهو غير واجب شرعًا فلا يكون رفع كونه لم يجب شرعًا، رفعًا لحكم شرعي، وهذا لا يفرق بين ما لم يجب شرعًا، فالبراءة الأصلية كافيةٌ فيه، وما وجب عدمه شرعًا، وليس السّكوت على تقدير تسليمه دالًا إلا على الأول، وهو أنه لم يجب التغريب شرعًا لا على الثاني، وهو أن عدم التغريب واجب، فافهم ذلك.
ورأيت عبد العزيز الحنفي صاحب كتاب "كشف الأسرار" ردّ السؤال بأنه يلزم عليه إيجاب عبادة أخرى؛ فإن سكوته ﵊ بعد إيجاب عبادة يدل على أن غيره ليس بواجب، بمنزلة ما لو نص عليه.
وما ذكرته أمتن؛ فإن للسَّائل أن يتخلص عن الإلزام بان العبادة الأخرى لا ارتباط لها بالعبادة الأولى، فلا يكون السكوت عنها ثابتًا لشيء، ولا دالًّا عليه، وهذا بخلاف التغريب مع الجلدات؛ فإن كلًّا مخهما داخل تحت الحَدّ، فكان السكوت عن التغريب كأنه سكوت عن بعض الحد.
الشرح:"ولو خير في المَسْحِ" على الخفين وغسل الرجلين "بعد وجوب الغسل" على التعيين "فنسخ"؛ خلافًا للإمام الرَّازي، والآمدي.