التي ذكرناها لم يسلم من مَانِعٍ يمنعه علّية الطّعم، فجمع بين الزبيب والتَّمرية مع الكَيْلِ، وانتهى إلى ما ذكرناه، ثم أخذ يسقط وصف الكَيْل والقوت عن الاعتبار بالطريقة التي يعرفها أهل السَّبر والتَّقْسيم؛ إذ ثبت له دعوى أن العلة الطعم فحسب، ووضحت وضوحًا لم يكن ليتضح إيضاحه لو قاس التّفاح ابتداء على البر. ولا يقال - هنا -: إن الوسط ضائع، بل له فائدة جليلة، وهي التدرج ليثبت المراد، كما ذكرناه، وهذا القسم لم يذكره الأصوليون، وفي كتاب "السلسلة" للشيخ أبي محمد منه الشيء الكثير، وأنت إذا نظرت كتب الفِقْهِ وجدت فيها مباني كثيرة.
فإذا قال قائل: التفاح ربوي قياسًا على السَّفَرْجل، والسفرجل قياسًا على البِطِّيخ، والبطيخ قياسًا على البر، لم يكن محسنًا، بل مطولًا من غير فائدة، والوسط ضائع حَشْو؛ لأن نسبة السَّفرجل والبطيخ والتفاح إلى البر واحدة، لا كيل ولا قوت في الجميع، بل الطعم فقط، فأي معنى لتوسّط السفرجل والبطيخ؟.
إذا فهمت هذا، فلنذكر مثالًا للقسم الأول، فنقول: إذا أتت أَمَتُهُ بولد ادّعت أنها ولدته على فِرَاشِهِ، وأنكر، فالقول قوله، فإن نكل، فالظاهر ردّ اليمين عليها، فإن نكلت، فهل تنتهي الخُصُومة وينقطع النسب عنه، أو يوقف الأمر إلى أن يبلغ الولد فيحلَّف؟ فيه وجهان:
قال الشيخ أبو محمد: إنهما مبنيان على الوجهين فيما إذا ادّعى السَّيد أنه جَنَى على العبد المرهون جنايةً توجب المال، واستحلف الجاني، فنكل، وردّت اليمين على الرَّاهن، فتنتهي الخُصُومة، أو يرد على المُرْتهن لتعلّق حقّه بالعبد؟.
فإن قلت: لم لا كان العكس في البناء، فبنى الوجهان في هذه على الوجهين في تلك؟.
قلت: لأن التردُّد في مسألة الجناية أظهر منه، وأولى في مسألة الولد، وهذا لأنَّ رد اليمين على المرتهن يمكن في الحال، وتتتهي الخُصَومة، بخلاف ردّها على الصَّبي، فإنه يلزم منه إيقاف الأمر إلى بلوغه، ولا يلزم من ردّ اليمين على الثالث الممكن فصل الأمر به في الحال، ردّها على ثالث يلزم من ردّها عليه إيقاف الأمر في الخُصُومات؛ ألا ترى أنه لو أقام وليّ اليتيم بيّنة بدين لليتيم على مَيّت، أنه يقضى له به، ولا ينتظر بلوغ الصّبي ليحلَّف، سواء قلنا: التحليف واجب أم مستحبّ؛ لئلا يلزم من تأخُّر الحكم ضياع الحق، و - أيضًا -