فالنسب حق لله تَعَالى، وتعلّق حقّ المرتهن بالعين المرهونة حق يختصّ به، فلا يلزم من الرد على المرتهن في مَحْضِ حقه الرد على الولد الذي لا يتمحّض حقه في النسب.
فإن قلت: ما ذكرتموه من أن التردد في مسألة الجناية أظهر إن لم يصح، فلا تعلّق لكم فيه؛ لأنه لم يظهر ترجحُ أحد للبنائين على الآخر، وإن صحّ كان فارقًا مانعًا من قياس المبني على المبنى عليه، فنقول - مثلًا -: لا يصح قياس تحليف الولد على تحليف المرتهن للمعنيين الذين أبديتموهما.
قلت: المعنيان لا ينتهضان فارقًا مانعًا من صحّة القياس؛ لما يقال عليهما: من أن تعلّق حق الثالث إن كان موجبًا لصيرورته خصمًا أوجب ردّ اليمين عليه، سواء أمكن تحليفه في الحال أم لا، كالغائب، ولكنه ينتهض موجبًا لظهور الحكم في المبني عليه أقوى من ظهوره في المَبني، وهو - حينئذٍ - يصلح للترجيح فقط، ولهذا ترى الأصحاب كثيرًا ما يصحّحون في المبني خلاف ما صحّحوه في المبني عليه، فافهم.
قال الشيخ أبو محمد: والوجهان في مسألة دَعْوَى الجناية على العَبْدِ المرهون [مبنيان](١) على وجهين فيما إذا أقرّ الراهن بأنّ العبد المرهون كان قد جنى قبل الرهن وادعاها المجني عليه، وأنكر المرتهن.
وقلنا: إنه يصدق بيمينه، فلم يحلَّف.
وقلنا: برد اليمين على الراهن، فنكل، فهل ترد على المجني عليه؟.
قلت: وإنما كانت هذه المسألة أصلًا لتلك؛ لأن تحليف المجنى عليه - هنا - أظهر من جِهَةِ أنه المدعى الذي يثبت له الحق إذا توجّه، بخلاف المرتهن، بل الأصح عند الرافعي: أن المرتهن لا يخاصم، ومن جهة أن حقّ الجناية آكَدُ وأقوى من حق المرتهن، فكان حق المرتهن - بكونه فرعًا لمسألة المجني عليه - أولى وأجدر من العكس، كما أن مسألة الولد بكونها فرعًا لمسألة المرتهمن أولى، ثم لو قِسْنَا ابتداء مسألة الولد على مسألة المجني عليه، لبعد؛ لأنها تَنْأى عنها من الأوجه التي أبديناها، بخلاف ما إِذا قِسْنَاها على مسألة المُرْتهن، فإنها إنما تَنْأى عنها من وجهين فقط كما عرفت وقياس الفرع على أصل لا ينأى منه إِلّا من وجهين، لا يخفى أنه أولى من: قياسه على أصل ينأى عنه من