للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القاضي في "مختصر التَّقْريب": من فرق بينهما فقد تحكم.

قلت: وقول ابن السَّمْعَاني: "صحّة المُسْتنبطة بالتأثير، والمنصوصة بالنَّص" ضعيف، والمُسْتنبطة ليست إِلا حاكية المَنْصُوصة، والمجتهد يستخرجها، وعنده أنَّ الشرع أقامها، ولا فرق بينها وبين المَنْصُوصة إِلا ورود المَنْصُوصة على لسان الشَّرع نطقًا، وأن المجتهد لا صنع له فيها، بخلاف المُسْتَنبطة، فإن كان ثَمَّ تأثير، فهو في الموضعين بجعل الشّارع، نعم أصل جواب ابن السَّمْعَاني حسن؛ فإِن الجريان في الصُّور المشتملة على العلّة من المعنى الَّذِي نسبة الأفراد كلّها إِليه على حدّ سواء، وهو منصوب علامة، والعلامة أبدًا تطرد، فحيث تخلف، تبيّن أنها لم تكن علامة.

وأما اللفظ العام، فهو محتمل لأنْ يراد به الخاصّ، وأن يراد الشمول، ولا معنى يعضد أحد المحملين بخلاف العلّة، فإن فهم المعنى يساعد على التعميم، وعندي [أنا] (١) أنه لا فرق بين تخصيص اللفظ العامّ والعلة، فاِن اللفظ العام إِذا خصّ، تبين لنا أنّ اللَّافِظ لم يرد أولًا باللفظ إِلا بعض أفراده، والمعلل أيضًا إِذا ذكر وصفًا غير مطرد، تبين أنه لم يرد إلا ما وراء المحل الخارج، فإن فرض لفظ عام مصرح فيه بالتعميم، وأنه مراد منه فنحن نمنع تَخْصِيصه، كما نمنع تخصيص العلّة المقطوعة المنصوصة، كما نبَّهْنَاك عليه في أوّل المسألة.

فإن قلت: فالعام الظاهر يجوز تخصيصه بلا نَظَرٍ، والعلة لا يجوزون تخصيصها.

قلت: نحن لا ننكر أن المعلل يطلق مثلًا أن القَتْل العَمْد المَحْض العدوان أمارة القِصَاص، ويريد فيما عدا الأب، وما أشبهه، وإنما نقول: إِن ذلك انقطاع في مجلس المُنَاظرة، إذ أطلق في مكان التَّفصيل، وهذا بخلاف الشَّارع إذا أطلق العام، وأراد الخاص، فإن الأحكام راجعةٌ في اختياره وإرادته، فإذا أتى بلفظ عام، وأراد به الخاص، فلا اعتراض فيه.

وقوله في الكتاب: إِن صحة النَّقض جمع بين الدليلين عجيب؛ فإنّا لا نسلم انتهاض العلّية ما لم تسلم عن النَّقض، فدعوى انتهاضها دليلًا مصادرة على المطلوب.

وقوله: "لو بطلت المَخْصُوصة، لبطلت القاطعة إِذا [خصّت] " (٢) صحيح، ولا فرق.


(١) في أ: أما.
(٢) في أ، ت: خفيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>