للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عنها، وأنتم في مَجَالس الجِدَال، والنَّظر بتصحيح الكلام مطالبون، وعلى النَّقِيرِ والقِطْمِيرِ محاسبون.

قال الأستاد أبو إسحاق فيما نقله عنه إمام الحرمين في "التدريس": إطلاق الألفاظ العامّة والمراد بها [النقض] (١) شائع.

وأما المعلل منا إِذا علّل بلفظ عام، وأتى بصيغة علّة شاملة، فلا يقبل منه أصلًا إذا نقض عليه كلامه، وقال: إِنما أردت كذا؛ إذ لو جوّزنا ذلك، لما تصور إِبطال علة قط؛ إِذ لا يعجز أحد عن إِظهار مراد له، بخلاف إِطلاق صاحب الشرع الألفاظ العامة؛ إِذ له أن يفعل ذلك، والفَرْق أن الواحد منا إِنما جلس ليفهم صاحبه ويفهم عنه، وصاحب الشرع له أن يُبيِّن، وأن يؤّخر البيان إِلى وقت الحاجة، ويخاطب بمجمل، ولا يجوز لواحد منا أن يعلّل بعلّة مجملة، ويفسرها.

قال: ومن العلماء من جوز ذلك، قال: ومجوزه لا يميّز. انتهى.

فإن قلت: فقضية هذا أن العلة المنصوصة يجوز تخصيصها؛ لورودها في كلام الشارع الذي له الإنشاء.

قلت: نقول: إِذا وردت في كلام الشارع تبيّن أنه لم يرد محلّ النقض، وأنه إِنما جعلها علة فيما وراءه، وذلك مسموع منه، بخلاف غيره؛ فإنه لا يسمع منه قوله بعد الإِطلاق: إِنما أردت أنها علّة فيما وراء ذلك المخرج، ولو ورد دليل قطعي على أن العلّة هذا، وأنها تعمّ مواردها قطعًا، ثم ورد نقض، لقلنا: إِنه لا يقدح، ولكنا نقول: ذلك مستحيلٌ كما سبق؛ لاستلزامه تعارض قاطعين، أو قاطع وظني.

فحاصل المَسْألة: أنه هل يسمع من الجَدَلي قوله: أردت بالعموم الخصوص أو لا؟ القائلون بتخصيص العلّة يسمعونه، ونحن لا نسمعه، والصواب معنا؛ إِذ هو كمدع بعد الإِقرار، ولا فرق بين العموم والخصُوص في اللَّفظ والعلّة، فمن قال: قام الناس، حسن أن يقال له: لم يقوموا جميعًا؛ لأن زيدًا منهم، وهو لم يقم. سلمنا أن اللفظ العام يسمع من قائله إِرادة الخاصّ، إلا أن الفرق بينه وبين العلّة أن عمومها معنوي، كما تقدم.


(١) في أ: النقص.

<<  <  ج: ص:  >  >>