للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإن قلت: قد أنكرتم تخصيص العلل، وناقضتم في مسائل كثيرة، منها: المُصَرَّاة والعَرَايا، وضمان الجَنِين بالغُرّة، وضرب الدِّيَة على العَاقِلَة.

وعلّل الشافعي تحريم الخمر بالشدّة، [وقاس] (١) عليها تحريم النَّبِيذ.

وللخمر ثلاثة أحكام: التحريم، والتفسيق، والحد، فطرد عليه في الفرع في الحَدّ دون الفِسْق؛ إذ قبل شهادة شارب النَّبيذ.

قلت: أما أنا فأقول في جوارب هذا كلّه ما قدمته من أن العلة ليست موجودةً في محلّ النقض، فأقول مثلًا: كلّ مِثْلي يضمن بمثله، إِلا في المُصَرّاة، وإنما لم يذكره الفقهاء؛ لأنه نادر، ومعلوم الاستثناء، فإذا قال الفقيه: المِثْلِيّ يضمن بالمِثْلِ، يعرف أنه لم يقصد ذلك المستثنى، وأقول مع ذلك: لو جلس في مجلس النظر وقال: كل مثلي مضمون بمِثْلِهِ، لكان لخصمه أن يقول: يرد عليك المُصَرّاة، ولا ألتفت إِلى أنك لم تردها. نعم أقول: إِذا كان المستثنى مشهورًا، بحيث يعرف الخَصْم أنه لم يرد، فاللَّائق أن لا تشَاحح فيه.

وقد أجاب أصحابنا عن هذه المَسَائل، وأمثالها بأجوبة كثيرة، وما ذكرناه طريقة جَدَلية بمنع [بعض] (٢) النقض، وأنت أيها الفقيهُ لا ترى مستثنى من قاعدة إِلا وهناك معنى يمتاز به عن سائر الأفراد، ينعطف قيدًا في العلّة، فاعتبر ذلك في كل مكان، يتضح لك ما ذكرناه، وتعلم أنه لا سبيل إِلى [نقض] (٣) العلة.

ونقول مثلًا: النَّبيذ حرام قياسًا على الخمر بجامع الإِسكار، نطلق الإِسكار علّة في التحريم، والحدّ، وإسكار الخمر الخاصّ علّة التفسيق، فلم تنتقض علّة، ولئن سئلنا عن فقه هذا.

قلنا: انظر ماذا يعلل به الفقيه قَبُول الشهادة، وألحقه بالعلة، وهذا سبيلك في كل خارج من أصل لمعنى، وما خرج لا لمعنى ينعطف منه أيضًا قيد، وهو عدم الاستثناء؛ فإن العلّة مطّردة لجعل الشارع، فإذا قطع اطرادها في مكان، قطع علتها فيه، فهي إنما تكون علة فيما وراءه، فاحفظ ما ألقيت إِليك تدفع به شبهات الخصوم أجمعين على اختلاف مقالاتهم.


(١) في أ، ب، ت: وقياس.
(٢) في أ، ب، ت: البعض.
(٣) في أ، ت: بعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>