وإِذا فرضنا دفعةً واحدة: حَزّ رقبة شخص، وقدّه نصفين من شخصين معًا، لا يقال: اجتمع هاتان العلّتان على معلول واحد؛ إِذ لا يتصور ذلك في العلل التامّة المؤثرة، وكل ما ذكر عذرًا في هذه الصّورة كان عذرًا لنا في دفع ما ذكر من الدَّليل، ولسنا بالمُعْتذرين عن العلل العقلية؛ إِذ لا حقيقة لها عندنا، وتحقيق ذلك في علم الكلام، ولكنا نُحِيلُ الأمر على الإمام.
ومما يوضح أن الأصحاب يدعون تعدّد الأحكام أن ابن الحَدّاد قال فيما إِذا بيع شِقْص فعفا أحد الشَّفيعين، والآخر غائب، ثم مات الغائب بعد عفوه، والعافي الحاضر وارثه: كان له أن يأخذ بالشُّفْعَة؛ فإِنه وإن عفا أول مرة، فإِنما يأخذ من وجه غير الوجه الذي عَفَا منه؛ ألا ترى أنه لو عفا عن قاتل أبيه، وقد قتل القاتل أيضًا ابن أخي العافي، فمات أخوه، وهو وارثه، كان له أن يقتله بابن أخيه؛ لأنه وإِن عفا عن دم أبيه، لم يَعْفُ عن دم ابن أخيه، ودم أبيه غير دم ابن أخيه؟.
ووافق الأصحاب ابن الحَدّاد في الفُتْيَا، ومنعوه السَّببية؛ لأنه إِذا عفا عن دم الأب، فلا يعود إِليه أبدًا، ولا يجوز القتل به، فأما قتله، فبسبب قتل آخر ثبت له، وأما في مسألتنا، فإِنه عفا عن شُفْعَةٍ ثبتت له بِعَقْدٍ، ثم يعود إِليه ذلك الحق بعينه إِرثًا؛ لأنه لما عفا ثبت لأخيه عين ذلك الحق، ثم عاد بالمِيرَاث. [ذكره](١) الشيخ أبو عَلِيّ عن الأصحاب، وهو يشهد لتعدّد القتل، وإِلا كان في نفسه واحدًا، وإِن اختلفت الإِضافة والعفو أولًا إِنما هو عن قتل مضَاف للأب، لا عن مُطْلق القتل.
وأما قوله: إِن الحل لا يتحقق إِلا إِذا لم يكن فيه وجه يقتضي المنع أصلًا، فإِن أراد إِذا لم يكن في موضع الحلّ، فمسلّم، ولا يجد به نفعًا، وإِن أراد من كل وجه، فممنوع، بل تثبت الإِباحة مُضَافة إِلى سببها، والحُرْمة مضافة إِلى سببها، كما تقرر في الصَّلاة في الدَّار المَغْصُوبة، فإِذا عقل اجتماع الوُجُوب والتَّحْريم هناك، عقل اجتماع التَّحريم والإِباحة هنا.
فالحَقّ في هذه المسألة اجتماع إِباحات، كل إِباحة مضافة لِسَبَبِهَا، كما يجتمع تحريمات في الزَّاني بذات المحرم صائمًا في الحرم، في الإِحرام بالحج؛ لتعدّد الأسباب،