ولو لم تتعدّد، كان التحريم واحدًا، فيستوى إِثمه وإِثم من زنى بأجنبية مفطرًا، لا في الحرم، ولا [في](١) الإِحرام.
لا يقال: جاز أن يكون أحد التَّحريمين أغلظ؛ لأنا نقول: تلك الغِلْظة إِنما هي بهذه الزِّيَادات، ولا نعني بتحريم آخر شيئًا غيرها، فلا يستوي رجل أتى امرأة حلالًا ظنّها بعض الأجانب، وهو حقًّا معتدى، مع محرم وطيء أمةً متعمدًا يوم الخميس بـ "مكة" في المسجد، ومن أجل تعدّد الحرمات وقع الانفصال عن سؤال من قال: قوله تعالى: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: الآية ٢٣٠]، مع ما تمهّد من مخالفة ما بعد الغاية لما قبلها، يقتضي حلها إِذا نكحت زوجًا غيره، وهي إِذ ذاك زوجة الغير، لا سبيل إِلى تحليلها، ووجه الانفصال: أن الزائل بنكاحها زوجًا غيره تحريم الثلاث، والباقي التحريم الناشئ عن كونها أجنبيةً، الكائن مع تحريم الطَّلاق، ففي اجتماع الثلاث تحريمان زال أحدهما بالنكاح، وبقي الآخر، فوضح أن الحق اجتماع الحرمات، والإِباحات، والوجوبات باجتماع الأسباب.
وأما قوله:"الظلم حرامٌ، مع أن كونه حادثًا وعرضًا وحركة" لا يقتضي الحرمة، وهو شاهد لنا، ومخالف لما ذكره؛ إِذ قد أثبت التحريم من وجه دون وجه.
وكذا نقول في الإِباحة: إِنها تختص ببعض الوجوه، وتحصل متعدّدة بتعدّد الوجوه والأسباب، لا فرق بينهما.
ثم قال الإِمام: قولكم: الدليل على التغايُرِ أنه لو أسلم - يعني: القاتل المرتد - زال أحد الحكمين، وبقي الآخر.
قلنا: لا نسلّم أنه يزول أحد الحكمين، بل يزول كون ذلك الحكم معللًا بالرّدة، فالزائل ليس هو نفس الحلّ، بل وصف كونه معللًا بالردة.
ولك أن تقول: لو لم يزل ذلك الحل، لكان مستمرًا بدون علّة؛ فإِنه لا أثر للزائل في المستمر، بل التَّحقيق أن الحلّ المضاف إِلى الردة زال، وبقي حل آخر.
ثم قال: قولكم: ولي الدَّم مستقلّ بإِسقاط أحد الحكمين.