للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا: لَوِ امْتَنَعَ لامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّهَا أَدِلَّةٌ.

قلنا: ممنوع، بل هو متمكّن من إِزالة أحد الأسباب، فإِذا زال ذلك السَّبب، زال انْتِسَاب ذلك الحكم إِليه، لا الحكم نفسه.

ولك أن تقول: السبب هو كونه قتل من يعاديه، وذلك لا يزول بشيء من أفعال الولي، إِنما الزائل بِعَفْوِ الولي وجوب القصاص الذي هو أثر السَّبب، وليس الولي متمكنًا إِلا من إِزالة الحلّ الثابت له، وهذا الزوال يستدعي سببًا، ولا سببًا غير عفوه، فالذي زال بالعفو ما كان ثابتًا، وليس هو إِلا الحلّ.

ثم إِنا نقول: إِن كان الزائل بالعفو شيئًا آخر غير حلّ القتل، فموجب القاتل ظلمًا هو ذلك الشيء؛ لأن العفو يسقط موجب الجِنَايَةِ، فإِن كان موجب الجناية غير الحلّ، فلا يلزم اجتماع العِلَلِ على حكم واحدٍ، وهكذا نقول في سائر الصُّور المذكورة من اجتماع الإِحرام والحيض، وفي صورة الرِّضَاع، ونحوها، فاعتبره.

الشرح: الوجه الثاني من الوجهين اللذين استدلّ بهما من قال باجتماع علّتين: ما أشار إِليه في الكتاب بقوله: "و أيضًا: لو امتنع" التعليل بعلّتين "لامْتَنَعَ تَعدّد الأدلة؛ لأنها"، أي: العلل الشرعية "أدلة": لكونها معرفة للأحكام، وتعدّد الأدلة غير ممتنع. هذا كلام المصنف، وسنعيده غير مرة.

ولقائل أن يقول: العلة إِما أن تكون عندك بمعنى المعرف، أو شيء آخر، فإِن فسرتها بـ"المعروف" - كما هو الصَّواب - فهي والأدلّة سواء، والخلاف فيهما واحد، والخصم ناطق بامتناع تعدّد الأدلّة، والحاصل أن المعرفات الأدلّة، فلا يقاس الشيء على نفسه.

وإن فسرتها بشيء آخر، إِما الباعث أو غيره، فالمُلازَمة غير قائمةٍ؛ لوضوح الفرق، وعند هذا نقول: كان أحقّ معنى به تفسير العلّة، ثم نذكر بعده الاختلاف.

وأصحابنا كلهم يقولون: إِنها الأمارة، والمصنّف والآمدي يفسّرانها بـ "الباعث"، فإِن جرى المصنف على مِنْهَاجه، فالمذاهب التي حكاها أَجْرَاها في غير موضعها؛ لأن أصحابنا أجمعين لا يفسّرونها إِلا بـ"المعروف"، منهم: القاضي، وإمام الحرمين اللذان صرّح باسمهما.

وأيضًا: لا يصحّ القياس لوجدان الفَارِقِ بين الأَمَارة والباعث.

<<  <  ج: ص:  >  >>