بالمختار عندنا فنقول: قد علم من أصلنا أنّ العلل الشرعية معرّفات، ولا بدع أن ينصب الله - تعالى - شيئين أو أكثر لتعريف شيء واحد، كنصبه المسّ واللمس معرفين للحدث، ولما كانت العلّة بمعنى المعرف، كان كون الوصف علّة دائرًا مع كونه معرفًا وجودًا وعدمًا، وربما كان علّة بالنسبة إِلى زيد دون عمرو، ضرورة أنه عرف زيدًا ولم يعرف عمرًا، وهذا كالمسّ واللّمس كلّ منهما يعرف الحدث لمن لم يكن به عارفًا، وإِلا يلزم تحصيل الحاصل، فربما عرف المس زيدًا، وعرف اللمس عمرًا، وربما اجتمعا في شخص واحد وعرف شخص بمسه دون لمسه، وعرف آخر بلمسه دون مسه، فقضى كلّ منهما عليه بالحدث مستندين إِلى معرفين، ولم يعرف كلّ واحد، منهما معرف صاحبه ما هو، أو عرف أن معرف صاحبه غير معرفه، وهذا مما لا خَفَاءَ فيه، وربما وقع اللَّمس والمس متعاقبين، فلم يعرف الثاني شيئًا، إِلا أن يعرف به من لم يعرف بالأول، وربما اجتمع المَسّ واللَّمس والعرفان بهما لشخص واحد في وقت واحدٍ، وهذا هو محلّ الخلاف، فهل يكون عرفانه بالحدث مستندًا إِلى كلّ منهما أو لا؟.
عندي أن استناده إِلى كلّ واحد منهما مستحيل عقلًا، لأن كلّ واحدة منهما في حالة الاجتماع إِن لم تعرف فليست بعلّة، وهذا كما لو كانت سابقة - بلا رَيْب - عند من عرف بهما جميعًا.
وإِن عرفت، فإِما أن تعرف شيئًا غير ما عرفته صاحبتها، وليس مثلًا لما عرفته صاحبتها، فلم تجتمع علّتان على معلول واحد، بل على معلولين، وهذا كما يقول من يدّعي تعدد الأحكام، فإِنه بقول: إِذا وقع المسّ واللمس معًا، وعرف العارف بهما معًا عرف [حدثين (١) مستندين إِلى علتين، وحدثُ المسّ غير حدث اللَّمس، وإِن كان بينهما قدر مشترك.
وإِما أن تعرف شيئًا غير ما عرفته صاحبتها، ولكنه مماثل له، فهو كالأول في أنه لم تجتمع علّتان على معلول واحد، مع زيادة لزوم اجتماع المثلين.
وإِما أن تعرف شيئًا هو نفس ما عرفته صاحبتها، وهذا موضع الأَنَاةِ والتَّمَهُّل، فيحتمل أن يقال به، ولا يلزم تحصيل الحاصل، عبارة عن حصوله بعد وقوع حصوله، ومع المعيّة