للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأَرْبعة، فلا وثوق باجْتِمَاع علّتين في هذه الصورة على وجه الاستقلال، إِلا إِذا قام البُرْهان على اتِّحَاد الحكم، وأن كلا منهما عرف مستقلًا بالتعريف، وهيهات ثم هيهات أن يتم ذلك، كالقول باتِّحَاد الحكم، وإِن كان - عندنا - من المحتملات، إِلا أنه مرجوح، والقول باستقلال كلّ من الوصفين بالتعريف عند انضمامهما واجتماعهما محال عقلًا، ولسنا نمنع من العَقْل ولا الشرع ولا الواقع نصب عَلامتين أو أكثر على شيء واحد، إِنما نمنع حصول العِرْفان بهما جميعًا للشَّخص الواحد، فافهم ما يلقى إِليك.

فإِن قلت: بماذا ينفصل رأيكم عن مذهب الإِمام؟.

قلت: الإِمام يجوز الوقوع عقلًا، ويمنعه شرعًا، وظاهر كلامه منع اجتماع معنيين يصلحان لتعليل حكم واحد، سواء أوجدا دفعة واحدة، أو متعاقبين، وأنا أمنع عقلًا وقوع معنيين يجتمعان فيعلل بهما الشَّخص العارف بهما حكمًا واحدًا منسوبًا في تعليله إِلى كلّ منهما على سبيل الاستقلال، ولا أمنع لا عقلًا ولا شرعًا معنيين يصح استناد الحكم الواحد تارة إِلى هذا وتارة إِلى هذا، وتارة إِلى المجموع، وأقول: إِن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأوقات والأشخاص؛ لأن العلل الشرعية معرّفات، وهي على حَسَب تعريفها، فحيث وجد التعريف كانت علَّة، وحيث انتفى لم تكن، وربما لم يكن لها مدخل في العلّية بالنسبة إِلى بعض الأشخاص، أو بعض الأوقات، فربما كان الوَصْف في وقت جزء علّة، وفي آخر علّة، وفي آخر لا مدخل له في التَّعْليل أصلًا.

وأقول أيضًا: أما معنيان يَصْلحان للتعليل، فإِني وإِن لم أمنع من ذلك عقلًا ولا شرعًا، إِلا أنه لم يقم عندي قاطع على وجوده؛ لاحتمال تعدّد الأحكام، فقد عرفت مذهبنا، ومغايرته لمذهب الإِمام.

فإِن قلت: فما تفعلون في المسّ واللمس وأمثالهما؟

قلت (١): إِن لم يحصلا معًا، فإِنا بطريقان:

أحدهما: إِضافة الحكم إِلى السَّابق، والثاني: دعوى تعدد الأحكام، ثم أقول: أنا وإِن أضفت الحُكْم إِلى السابق، فإِنما هو بالنسبة إِلى العارف بهما، أما من (٢) لم يعرف إِلا بالثَّاني، فالعلَّة في حقه اللاحق دون السَّابق؛ لأنه الذي عرفه، والعلة - إِبتداء - المعرف.


(١) في ت: فإِن قلت.
(٢) في ت: أما حق.

<<  <  ج: ص:  >  >>