والثَّالثُ: أن يكون على أَحَدِهِمَا القَوَدُ دون شريكه، فإِن كان كلُّ واحدٍ منهما ممَّنْ يجبُ عليه القَوَدُ لو انفرد مثل: حرَّين قتلا حرًّا، أو عبدين قتلا عبدًا، أو مشركين قتلا مشركًا، فيقتل كلُّ واحدٍ منهما، وإِن كانَ عكسُهُ مثل أَنْ قتلاه خطأً، أو قتل مسلمان كافرا، أو حُرَّان عبدًا، أو أب وجدّ قتلا ولدًا، أو أبوان قتلاه، فلا قَوَدَ عليهما، وأَن أحدهما لا قَوَد عليه لو انفرد لم يَخلُ الَّذي لا قَوَدَ عليه.
أَمَّا أن يكونَ مضمون الفصل أوَّلًا، فإِن كان مضمونَ الفعلِ؟ نظرت، فإِنَّ سقُوطَ القَوَدِ عنه لمعنى في نفسه، فالقود واجبٌ على شريكه كشريك الأَبِ، وشريك الصَّبيِّ، والمجنونِ، إِذا قلنا: عَمْدُهَا عَمْدٌ، وهو أصحُّ القولين، وإن كان سقوطُ القَوَدِ عنه لمعنًى في فعله؟ فلا قود على شريكه كشريكِ الخاطِئ، والصَّبي، والمجنون إِذا قلنا: عمدها عمد في حكم الخطأ، أو كانا بحيث لا تمييز لَهُمَا بحالٍ، فإِنَّ القَفَّالَ، ومن تابعه - كالبغويِّ - قالوا: "إِنَّ عمدَهَا في هذه الحالة خطأ، وشريكهما شريكٌ خاطئٌ قطعًا، قالوا وإِنَّمَا الخلافُ في أَنَّ عمدها هل هو عمدٌ في صبيٍّ يعقل عقل مثله، وفي مَجْنُونٍ له نوعُ تمييز وإِن كان فعل شريكه غير مضمون مثل: أن شارك سَبْعًا في قتل إِنسان، أو شارك رجلًا في قتل نفسه مثل: أنْ جرحه، وجَرَح نفسه، أو جرحه مرتدٌ ثمَّ أَسْلَمَ، وجرحه آخرُ في حال إِسْلامِهِ فإِنَّهُ لا ضمان على أَحَدِهِمَا بحال، وهل يكون على شريكه القَوَدُ وفيه قولان: أَحدهما لا؛ لأَنَّهُ أحسنُ حالًا من شريك الخاطِئِ، فإِنَّ الخاطئ يضمن بوجهٍ، والسَّبعُ لا ضَمَانَ في فعله بوجهٍ، ويجبُ نصف الدِّيَةِ، وَأَصَحُّهما الوجوبُ؛ لأَنَّهُمَا عامدان، لا قَوَدَ على أحدهما لا لمعنًى في فعله، فهو كشريك الأب، فإِنْ قُلْتَ: لو أجمع شخصان على قَتْلِ شخص بفعلين لو انفردَ كُلٌّ من الفعلين لم يقتله، وإِنَّمَا حصل قتله من مجموع الفِعْلَيْنِ، وكان كلٌّ مِنَ الفعلين جزءَ علَّةٍ لا استقلال له بالكليَّةِ في حالةٍ من الأحوال، فإِنَّهُ يجبُ القِصَاصُ عليهما؛ إِذا كان الفعلان جرحين، كما لو قطع هذا يَدَه، والآخر رِجْلَهُ؛ فقد وَجَبَ القصاص في هذه الصُّورَةِ على مَنْ لم يَأْتِ بعلَّةٍ، ولا بِجُزْء علَّةٍ تكون علَّة إِذَا انفردت، وما ذكرتموه يأباه؛ إِذْ قلتم: إِنما وجب على الشَّرِيكَيْنِ؛ لإِثبات كُلٍّ منهما بجزء عِلَّةٍ إِذَا استقلَّتْ.
قلت: اعلم أَنَّ للجروح نكايات في البَاطِنِ لا ندري غورها، وَرُبَّ مقطوع اليد استمرَّ به ألمُ قطع اليد إِلى أَنْ مات منه، ووجب القِصَاصُ على قاطعه، فلسنا ذا يقين بأَنَّ الجرح لو انفرد لم يستقل، وأيضًا فلو لم يوجب القصاصَ هنا لاتَّخذ النَّاسُ الاشتراك ذريعةً إِلى القتل، فلا بِدْعَ في اتِّفَاقِ عَشَرةٍ على قطع عشرة من الأعضاء كلٌّ منها لو انفرد لم يقتل،