نقل الرَّافِعِيُّ في "باب الصَّيْدِ والذَّبائح" عن القَفَّالِ: إِنَّهُ يجب القصاصُ عليهما؟ وأَنَّ إِمام الحرمين قال: هذا بعيد، والوجه تخصيص القصاص بصاحبِ المزففة، فإِنْ قلتَ: إِذا مهدتم أنَّهُ لا يعلّل حكم بأكثر من علَّةٍ، فما معنى اعتلال المانعين من اجتماع علَّتين بوجوه وهو حكم واحد؟ وكذلك ما شاع بين علماء الأُمَّةِ وحملة الشَّريعة من قولهم في مسائل كثيرةٍ: الدَّليلُ على هذا الكتابُ والسنَّةُ والإِجْمَاع، وكذلك قولهم: قد يجتمع أَدلَّةٌ على مدلولٍ واحد، وقولهم: ويجوز اجتماع الأَمَارَاتِ والمعرفات على شيْءٍ واحد، وهو شائع ذائع بين الفرق لا ينكره إلّا مباهت؟ قُلْتُ: قد عرَّفناك أنَّا لا ننكر نصبَ دلائل على مدلولٍ واحد وعلامات على معرّفٍ واحد، وإِنَّمَا ننكر أَنَّهَا اجتمعت لشخصٍ واحد في حالةٍ واحدة، وحصل له العرفانُ؛ إِذْ ذاك يكونُ عارفًا بكلٍّ منها على حسب الاستقلال هذا الَّذي نشدِّدُ النّكير فيه، وإِلَّا فكم من أمارات على شيْءٍ واحد، بل وبراهين قاطعة كلٌّ لو انفرد لأفَادَ، ولم يقل وَاحِدٌ: إِنِّي عرفتُ حكمَ هذه المسألة مِنْ دلائل مجتمعةٍ كلٌّ منها عرفني. هذا لم يصرّح به أحد، ولن تجد مساغًا إِلى نقله عن إِمَامٍ، وإِنَّمَا مرادهم أنَّ هذه الدلائل كلٌّ منها يفيدُ المقصودَ لمن عرف به، فإِنْ عرف به وحده أفاده، وكان إِذْ ذاك دليلًا نَاهِضًا مستقلًّا، وإِنْ عرف به مع غيره كان جزءًا من الدَّليل إِذا اتَّحَدَ المعروف، وليس في ذلك كبير أمر، ولقد يَكَادُ يرجع النِّزَاعُ فيه لفظيًّا، ولك أَنْ تسمي العللَ المجتمعة لشخص واحد أجزاء مستقلَّة بالنِّسبةِ إِليه، وإِليها في نفسها، وكذلك ينبغي أنْ يفهم من قول مَن يقولُ من الفقهاء: هذه عللٌ لمعلول واحد؛ فإِنَّ مراده: أَن كلا يستدلُّ به على المعلول أَمَّا أنَّهَا إِذا اجتمعت فهل حصل بمجموعها، أو بكلِّ فرد منها، أو بواحد منهم إِلى غير ذلك من الاحتمالات، فهذا شيْءٌ لا يتكلَّمُ فيه الفقيه، ولا تعلُّقَ له به، وهو مسألة اجتماعِ العلَّتينِ على معلولٍ واحد، [ولذلك فإِن الغزالي في "الوَسِيطِ" قال: قد تجتمعُ علَّتَانِ على معلولٍ واحدٍ] (١) ومراده في "الوَسِيطِ" ما يريده الفقيهُ من أنَّ كلًّا من الوصفين صالح لإِفادَةِ الحكم، وذكر في "المُسْتَصْفَى" في الأصول امتناع ذلك في المستنبطةِ، ومراده امتناع حصولُ العرفان بكلٍّ منهما على حدتِهِ، والتَّأثير بكلٍّ منهما، فإِنَّ الغزاليَّ يقولُ: العِلَلُ مؤثراتٌ بجعل اللهِ ﷾ وإِذْنِهِ، والحاصل أَنَّهُ تكلم في كلِّ فنٍ بحسبه، وليس له أَنْ يخلطَ، فيناقض - ولا لأحد أنْ يتوهَّم مناقضته في كلامه، وكذلك ذكر إِمَامُ الحرمين في "البُرْهَانِ في