أصول الفقه" أَنَّهُ يمتنع شرعًا اجتماعُ علَّتَيْنِ؟ وذكر في "الأساليب" في الخلافيّات أَنَّهُ لا يبعد في وضع القياس أن يصحَّ علَّتانِ بحكمٍ واحد؛ إِذ الحكمُ الواحد يجوز أن يعلَّلَ بعلل، ولا يمتنعُ ذلك. اننهى، فينبغي لذي الفطنة أَنْ ينظر في كلِّ موضع بحسبه، فإِن قُلْتَ: ما تقولون فيما إِذا استولد الرَّجُلُ مدبرته؟.
قلتُ: قال الرَّافعِيّ: الَّذي أورده أكبرُ سلف الأَصحاب وخلفهم: أَنَّهُ يبطل التَّدبير؛ لأن الاستيلادَ أقوى، فيرتفع به الأضعفُ كما يرتفعُ ملك النِّكاح بملك اليمين، فإِن قُلْتَ: فما تقولونَ في تدبير المستولدةِ.
قُلْتُ: لا يصحُّ - قال الرَّافِعِيُّ: لأَنَّهَا تستحقُّ العِتْقَ بالموت بجهة هي أقوى من التدبيرِ، وفي طريقة الصَّيْدَلانيِّ أَنَّهُ لا يبطل التَّدْبِير، [وقال الرُّويَانِيُّ في "الكَافِي" وقيل: لا يقول ببطلان التَّدبير] (١)، فيكون لعتقِها يَوْمَ موتِ السَّيِّدِ سببان، وعلى هذا جرى الإِمامُ والغزاليُّ مع اعتراف الإِمَامِ بأَنَّهُ لا أثر لبقاء التَّدبير، ولكنَّهُ يدخل في الاستيلاد كما لو طرأت الجنابَةُ على الحَدَثِ.
فإِن قلتَ: كيف قال الإِمامُ هنا باجتماع علَّتين، وهو يمنع اجتماعهما شرعًا؟ قلتُ: قد قال: إِنَّه لا أثر لبقاء التَّدْبيرِ، وذلك دليل على ما أقوله: من المحذور اجتماعُ علَّتينِ يعرفان، أو يؤثِّران، فحيثُ لا يحصل التأثيرُ لم يجتمع، وإِن اجتمعَ وصفان لكلٍّ منهما صلاحية التَّأثير والتَّعريف حالة الانفراد.
فإِن قُلْتَ: ما تقولونَ فيما إِذا اجتمعَ وصفان أحدهما أكثر تأثيرًا من الآخر هل يعملهما أو يطرح الضَّعيفَ؟!.
قُلْتُ: حيثُ أمكن إِعمالهما، فلا سبيل إِلى العدول عنه، وحيث لا فالإِعمال للأقوى.
مثاله: القاتل المرتدّ، عليه قتلان ضاق المحلُّ عنهما، فلم يكن استيفاءُ غير قتل واحد، ولم يضيق عن أحكامهما وآثارهما فاجتمعا، فيقدَّمُ حقُّ الآدمي لا لأن حقَّ الآدميِّ آكدُ؛ فإِنِّي لا أرى تقديمَ حقِّ الآدمي كما قرَّرته في موضعه؛ لأَنَّهُ لما اجتمع الحقَّان، ولم يتعارض القصدان، إِذْ ليس غرض الآدميِّ سوى التَّشفي بالاقتصاص سلمناه إِلى وليّ الدَّمِ ليستولي منه، فيحصل المقصدان في ضمن ذلك مقصد الآدمي بالتَّشَفي، والمقصد الشَّرعي