بتطهير الأرض من المرتدين؛ فإِنَّهُ ليس المقصد الشَّرعيُّ إِزهاقَ الأرواح بخصوصه، إِنَّمَا المقصد الشَّرعيُّ زوال الرّدة ومفسدتها العظمى، فإِنْ هو حصل بالإِسلام فذاك، وإِلا تعيَّنَ القتلُ طريقًا لدرء فسادِهَا، وتقبل عن حقِّ الآدمي مع جريان أَحكام المرتدِّين عليه في الحياة وبعد الممات؛ وهذا لأَنَّهُ أمكن إِعمال آثار العلَّتين.
أَمَّا في صورة المستولدة إِذَا دبرت فلا يظهر للتّدبير أثر ألبتة، فإِنْ لاحت للمنفعة فائدة في التَّدبير تزيد على الاستيلاد، ولا يدفعها الاستيلادُ عملنا بها، فإِن قلتَ: ما تقولون في المشتركين في القتل هل يجبُ على كلِّ واحد منهم كفَّارةٌ، أو يجب على الكلِّ كفارة يتوزعونها؟!
قلتُ: الأَصَحُّ أنَّهُ يجب على كُلِّ واحدٍ كفارة؛ لأَنَّ الكفَّارَةَ لا تتبعّض فأشبهتِ القصاصَ، والوجه الآخر: وجوب كفارة واحدة كالشُّركاء في قتل الصَّيْدِ يلزمهم جَزَاءٌ واحد.
فإِنْ قلتَ: فما الفارِقُ بينه وبينَ الصّيد؟.
قلتُ: ما قدَّمناهُ من أَنَّ الدِّيَةَ بدل عن المقتول لا عن القتل، وكذلك الجزاء بدلٌ عن الصَّيْدِ لا عن الاصطياد قال تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ﴾ [سورة المائدة: الآية ٩٥] أي جزاء ما قتل، لا جزاء قتله أَمَّا الكفَّارة فبدل عن القتل؟ فلذلك وَجَبَ على كُلِّ واحد بدل القتل، وهو الكفَّارة، ولم يتعذّر التعدد فيها، فتعددت بالنِّسْبَةِ إِلى تعدُّدِ القاتلين على الصَّحيح، فإِنْ قُلْتَ: إِذا قرَّرت امتناع اجتماع علَّتين، فماذا يفعل في الوصفين إِذَا اجتمعا؟.
قُلْتُ: لي في كلِّ وصفين فصاعدًا حصل اجتماعُهُمَا طرقٌ ثلاثةٌ لم يخلُ عنها ما سطَّرنَاهُ في هذه الجملة الأُولى: أَنْ أَدَّعِي تعدُّدَ الأَحكام، وأنا بسبيل من ادِّعَاءِ ذلك في كُلِّ صورة، وسبق فيه قول بليغ.
والطَّريقُ الثَّاني أَنْ أَسلم اتحاد الحكم، ولكن أقول: لما ضاق المحلُّ عن الحكمين لم يضق عن آثارهما، فآثارهما باقية، وربَّمَا اختلفت فظهرت فَائِدَتُهَا كما في القاتل المرتدّ، وربَّمَا لم يختلف بخصوصِ ذلك الموضع الواقعة فيه كما في المستولدة إِذا دبّرت، وقلنا: يصحُّ تدبيرها.
والطَّرِيقُ الثَّالِثُ؛ أنْ أنظر إِلى الوصفين فاعمل أخيلهما وأشبهما، وأطرح الآخر بالكليَّة، وهذا إِنَّمَا أفعله إِذَا لم يظهر للآخر فائدةٌ أصلًا كما في تدبير المستولدة، فإِنَّ