للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصَّحيح بطلانه؛ لأَنَّهُ لا يظهر لثبوته أثر وثَمَّ أقوى منه، وهو الاستيلاد، فأعملناه وألغينا التَّدبيرَ، وهذا في حقِّ العارف بوقوع الوصفين أَمَّا مَنْ لم يعرف إِلا أحدهما، فهو يعرف به عند موت السيِّد المعتق، فمن لم يعرف إِلَّا التَّدبيرَ يعرف عند موت السيِّد عتق الأمة وإِنْ كان وصفُ التَّدْبِيرِ ملغىً عند العارف بالاستيلادِ، فإِنَّهُ إِنَّمَا ألغاه لعدمِ احتياجه إِليه بإِسناده، إِلى ما هو أقوى منه، وكونه لا يظهرُ له أثر البتة.

أَمَّا المحتاجُ إِليه فكيف نلغيه، وأَمَّا إِذَا ظهر له أثر كوصف الرِّدَّةِ المنضمِّ إِلى القتل، فكيف يلغى ونحن نحتاج إِليه في جعل مالِ المرتدّ فيئًا، وعدم الصَّلاةِ عليه إِلى غير ذلك من أحكَامِ المرتدِّين، فإِنْ قلت: فما قولكم في الطِّفْلِ المجنون، فإِنَّ الولاية ثابتةٌ عليه، وهي قضيَّةٌ واحدة معللَّة بالجنون والصِّبَا؟

قلتُ: أَنَا أَقول في هذا: إِنَّ الثَّابت حجر الصَّبي، ولا أثر لحجر المجنونِ هنا رأَسًا؛ لأَنَّ الجنون طارِئٌ على الصَّبيِّ فيصادف محجورًا عليه، فلا يقتضي شيئًا: كمن مَسَّ ثُمَّ لَمَسَ لم يفعل لمسُهُ شيئًا، ولو فرضت الصَّبِيَّ ولد مجنونًا، فهكذا أقول، إِذِ الصِّبا وصفٌ ذاتيٌ له، والجنونُ عرضيٌّ، فكان التّعلق بالذَّاتي أولى، فإِنْ قلت: لِمَ لا تقولُ هنا بأَنَّ كلًّا من الوصفين جزءُ علَّةٍ؟ قُلْتُ: هذا ممكن، ولكني إِنَّمَا أقوله حيثُ لا يترجَّحُ أحدُ الوصفين على الآخر، أَما عند ترجُّحِ أحد الوصفين مع ظهور فائدة للوصف الآخر فإِنِّي أطرح الأضعف، فإِذَا بَلَغَ مجنونًا زال حجر الصِّبا، وخلفه حجر الجنون، فَإِنْ قُلْتَ: وهلّا قُلْتَ: يثبتُ هنا حجران؟ قُلْتُ: هذا أيضًا ممكِنٌ، وقد قلنا: إِنَّا بسبيل في كُلِّ صورة من الطُّرق الثَّلاث، وإِن ترجح في بعض الصُّوَرِ واحد منها بخصوص تلك الصُّورَةِ.

واعْلم أَنَّ إِمَامَ الحرمين قد أجاب عن الولاية على الطّفل المجنون فقال: الوِلايَةُ الثَّابِتَةُ على المجنون ضروريَّةٌ؛ إِذْ لا يتوقّع من المجنون تصرُّف، وفهم ونظم عبادة، والولاية على الصَّبيِّ المميز لمكان الغبطة، وطلب الأصلح، فإِنَّ الصَّبيَّ يعقل ما يقولُ ويفعل، ومن كان أَنيسًا بتأَصُّلِ الولايات لم يعدم فرقًا بين الولاية على المجنون، والولاية على الصَّبي المميز، فإِنْ فرض صبي غير مميز فهو المجنونُ بعينة، ولا أثَرَ للصِّبا، ولا يقع به تعليل، فإِنَّ الولاية الحقيقة بالصِّبَا هي ولاية الاستصلاح، وقد تناهى الشَّافِعِيُّ في الغَوْصِ على ما ذكرنا حتَّى لا يرى توريث ذي قرابتين بالقرابتين جميعًا إِذَا كانت أحدهما أَقْرَبَ من الأخرى، وقالوا: القُرْبُ الأقربُ يعدم أثَر القربِ الأبعد حتَّى كَأَنَّهُ ليس قربًا، فكذلك الصِّبا

<<  <  ج: ص:  >  >>