مع سقوط التَّمييز ليس معتدًّا به. انتهى، والَّذي فهمته منه أَنَّهُ يقولُ. حجر الجنون واقعٌ في محلِّ الضَّرُورَةِ لتدارك حال المجنون، وليس لخصوصِ الجُنُونِ فيه مدخل في العليَّةِ، بل العلَّةُ أَنَّهُ لا تميز، فاضْطَر إِلى نصب من يقومُ بأَمره ويتكفل بمعاشه، وهذه العلَّةُ تشملُ مَنْ قام به وصف الجنون، ومن لم يقم إِذَا كان مساويًا للمجنون في عدمَ التَّمْيِيزِ كالطِّفْلِ الرَّضيع، فالحجرُ على الصَّبِيِّ الَّذي لا يميِّزُ هو الحجر على المجنون بعينه، ولم يرد أَنَّ وصف الجنون قائمٌ به، ولا غرض له في ذلك؛ إِذْ خصوصُ الجُنُونِ لا مدخل له في إِثَارَةِ الحكم، وإِنَّمَا هو وصف منضبط مشتملٌ على الحكمة الَّتي هي عدم التَّمييز، وبها نيطَ الحكمُ في الحقيقة، فالنَّظَرُ لعموم عدم التَّمييز لا بخصوص الجنون، وحجر الصبي الَّذي يميّز واقع في محلِّ الاستصلاح؛ لنقصان نظره، فالعلَّةُ في القاع الحجر عليه نقصان النَّظر لا خصوص كونه صبيًّا، وبهذه العلَّةِ الَّتي هي نقصان النَّظَرِ وعدم سداده، واستكماله، فوقع الحجرُ على السُّفَهَاءِ، وإِنِ افتَرَقَ حكم حجر الصِّبا والسَّفه، فذاك الأَمْرُ غير ما نحن فيه، وإِذَا كان حجر الصَّبِيِّ المميز لنقصان النَّظَرِ لا للصِّبا وهو مصلحي لم يصحَّ اجتماعُهُ مع حجر عدم التَّمييز الَّذي هو ضروريٌّ، فلا يقال: اجتمعَ هذان الوصفان، وهذه طريقةٌ حسنة قويَّةٌ؛ فإِنَّ إِمامَ الحرمين يمنع تَصَوُّرَ اجتماع الحجرين؛ لأن أحدهما معلَّلٌ بنقصان النَّظَرِ، والآخر بعدمه، ونقصان النَّظَرِ يستدعي حصول أصل النَّظر، وهو لا يجتمع مع عدم النَّظَرِ، فلم يجتمع وصفان حتَّى نضطر إِلى أَنَّا هَلْ نُعْمِلُ أقواهما، أَو نخالف بين حكمهما، ونقولُ آثارهما مختلفة أَو غير ذلك، ونظير ذلك ما قاله الإِمَامُ أيضًا في قَسْمِ الصَّدقات: لا يختلف علماؤُنَا في أَنَّ الجمع بين أَسْهُمِ الفقر، والمسكنة محال من جهة أَنَّ الفقر والمسكنة يتناقضان، فلا يتصوَّرُ اجتماعهما لشخص، وهو صحيح؛ فَإِنَّ المسكنة معها وجدان شيْءٍ، والفقرُ عدم الوجدان، ولا يجتمع عدمُ الوجدان مع الوجدان، وإِنْ قلَّ، وقوله: ولا أثر للصِّبا ولا يقع به تعليل صحيح، ومراده: أَنَّ التَّعليل هنا بوصف عدم التّمييز، ولم يرد أَنَّ التَّعليل واقع هنا بخصوص الجُنُونِ، ويدلُّ له قوله: فإِنَّ ولاية الصَّبِيّ هي ولاية الاستصلاح، أي وولاية الاستصلاحِ لا تجتمعُ مع ولاية الضَّرورة؛ لأن الاستصلاح شرط عدم الضَّرورة، وعدم الضَّرورة مع الضَّرورة نقصان، وإِن فرض اجتماع الوصفين فإِنَّا نَدْرَأ الأضعف، وهو المصلحي، وننظر إِلى الأَقوى، وهو الضروريُّ، وقوله: وقد تناهى الشَّافعيّ … إِلخ أي غاصَ على معنى ما يحاوله من عدم اجتماع علَّتَيْنِ فقال في القَرَابَتَيْنِ إِذَا اجتمعا في شَخْصٍ: إِنَّهُ لا يرث إِلَّا بالأقرب إِذَا كانت إِحداهما أقرب، وقطع النَّظَر عن القرابة الأُخرى حتَّى كأَنَّهَا