قلنا: هو وَإِنْ كان نظرًا في العلَّة إِلا أَنَّهُ يلزم منه عدم ثبوتهما؛ لأَنَّا بيّنا أَنَّ حجر الاستصلاح لا يمكن اجتماعه مع حجر الضَّرُورَةِ، فكان مرادنا من قولنا: حجر الضَّرورة وحجر الاستصلاح: أَنَّهُ لم يجتمع وصفان.
سلّمنَا أَنَّ الوصفين اجتمعا، ولكن أردنا أَنَّ أقواهما يعمل به، وهو حجر الضَّرورة، فَكَأَنَّا قلنا، الصَّبِيُّ المجنون فيه وصفان:
أحدهما يقتضي أعظمَ الحجرين، والآخر يقتضي أهونهما، فأعملنا الأعظم إِذْ لم يظهر للأضعف معه تأثير ألبتة.
قَوْلُكُمْ: فإِذَا اتَّصفَ الصَّغير بعدم التَّمييز فَعَلى مَنْ يُحالُ حكمُ الولاية؟ قلنا: يُحال على فيها، بل هي مختلفة، وولاية الصَّبِي غير ولاية الجنون، وأحكامهما مختلفة. وقد كرَّرْنَا هذا غير مرَّةٍ، فأي معنى لإِعادَتِهِ، سلَّمْنَا اتِّحادَهَما، ولكنا هنا لم ندّع وقوع حجرين أصلًا، وإِن كنَّا بسبيل من ذلك إِذَا قلنا بتعدُّدِ الولاية، وإِنَّمَا ادَّعينا هنا: أَنَّا لا نسلمُ اجتماعَ الوصفين، وإِن سلَّمْنَاه؛ فلا نسلم إِعمالهما، بل الإِعمال واقع لأقواهما فقط، فالواقعُ أقوى الحجرين، فالولاية متّحدة، والمؤثرة فيها أقوى الوصفين، وهو عدم التَّمييز، وما ذكرتموه من أَنَّ الصَّغِيرَ ليس هو المجنون بعينه صحيح، ولكنَّ الإِمام لم يرد خصوص الجُنُونِ، ولا غرض له فيه؛ لأن الشَّارع كما أسلفناه إِنَّمَا ربط الحكم بعدم التَّمييز، فأراد الإِمام: أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذي لا يميز لا وجه لذكر صغره؛ لأن عدم التَّمييز كافٍ في إِشارة الحكم، وسمَّاه المجنون بعينه توسعًا، ويظهر ذلك بتأَمُّل كلامه كما أوضحناه.
قَوْلُكُمْ: فإِذَا اتَّصَفَ الصَّغير بعدم التَّمييز فَعَلى مَنْ يُحالُ حكمُ الولاية؟ قلنا: يُحال على أقواهما، وإنْ لم يكن أقوى جعلناهما جزءين، وثبوت الاستقلالِ حالة الانفراد لا يمنع كونهما جزءين حالة الاجتماع، كما أسلفناه، وقولكم: فكُلُّ ما ذكره في منع التَّعليل بعلَّتَيْن غير صحيح - دعوى لا دليل عليها، وقولكم في القرابة: ليس ما ذكره على إِطْلاقِهِ، وإِنَّمَا ذلك إِذَا كانت إِحداهما أقرب. قلنا: سبحانَ اللهِ، "وقد صرَّحَ الإِمَامُ بهذا، وصورة ابني العم الَّتي ذكرها مشتملة على هذا، ثمَّ نقول: قولكم: من ابْنَيِ العمِّ أحدهما أخ لأم يرث بالقرابتين؛ لأَنَّ البعيد نَزَّلَهُ الشَّرع منزلة القريب لا لاجتماعُ علَّتين؛ قلنا: بجهتين جهة الفرض، فيرث بها السُّدس، وجهة التَّعصيب، فيرث بها نصفَ الباقي، فليس هنا اجتماع وصفين على موصوف واحد، بل اجتماعُ وصفين على موصوفين، وليس ممَّا نحن فيه في