للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شيْءٍ، وعند هذا أَقُولُ: لعلَّ مرادَ الإِمام أَنَّ ابْنَ العمِّ إِذا كان أخًا لأم يأخذ المال كُلّهُ لكونه أقرب، ولا يأخذُ الآخر شيئًا، وهو قولٌ للشَّافعي ويدلُّ على أَنَّ هذا هو مراد الإِمام قوله: قالوا: القربُ الأقرب يعدم أَثَرَ القرب الأبعد حتَّى كأنه ليس قربًا، وإِنَّمَا يعدم أثره إِذا لم يورثه به شيئًا، أَمَّا إِذا ورثه به فلم يعدم، فصورة ابن العم إِذَا كان أخًا لأم وتقديمه بجميع الميراث على ابن العم الآخر - على قول - هي مراد الإِمَامِ، وقد أعدموا فيها على هذا القَوْلِ حظَّ ابن العمِّ الآخر، وجعلوا قربه كَأَنَّهُ ليس بقرب، وإِرادة الإِمام لهذا أولى من إِرادته لما تخيله ابن الأنباري؛ إِذْ ليس ثمَّ اجتماع علَّتين على معلول واحد كما عرفت فإِن قلت: إِذا لم يكن ثمَّ اجتماعٌ على معلول واحد فلم لا تمنعون من فيه صفتا استحقاق في الزَّكَاةِ أن يأخذ بهما فإِنَّ المذهب الصَّحيح أَنَّهُ إِنَّما يعطى بأحدهما فقط؟

قُلْتُ: ذاك لأَنَّ الله - تعالى - عطف المستحقِّين بعضهم على بعض، والعَطْفُ يقتضي المغايرةَ، فليس المنع من إِعْطَائِهِ بالصَّفتين مقتضيا لإِعمال علَّتين على معلولٍ واحد؛ لأَنَّهُ على تقدير القولِ به لا يأخذ شيئًا واحدًا بالصَّفَتَيْنِ، بل شيئين كلٌّ منهما بِصِفَةٍ كما عرفت، واعلم أَنَّهُ لو كان الخلافُ في أَنَّ تعليل الحكم الواحد بعلَّتَيْنِ جاريا سواء أكان ذلك الواحدُ واحدًا بالنَّوْع، أم واحدًا بالشَّخْصِ - كما أشار إِليه بعض الأُصوليين - اتَّجَهَ أَنْ يقال: الإِعْطَاء بصفتين والتَّوْريث بقرابتين قد يسندان إِلى ذلك، فإِنَّ ابن العمِّ مثلًا إِذا كان أخًا للأمّ، فيكونُ السَّبب في إِرثه الَّذي هو قدر مشترك بين إِرث الإِخوة للأم [وإِرث العصوبة - بسببين الإِخوة للأم] (١) وبنوة العمّ، فيجتمعان على أصل التَّوريث، وإِنِ اختلفت صفة الوراثة باختلافهما، ولكنَّ الصَّواب أن الخلافَ مختصٌّ بتعليل الحكم الواحد بالشَّخص، وأَنَّهُ يسوِّغ تعليل الواحد بالنَّوْعِ بعلَّتين وفاقًا كما ذكرناه في صدر المسألة. فإِن قُلْتَ: بماذا ينفصلون عن الخُؤُولة والعمومة وعن البول والغائط؟ قلت: سبحان اللهِ، قد عرفت أَنَّا بسبيل من أَنْ نقولَ بتعدُّدِ الأحكام، ومن أن نقول بكونها أجزاء للعلَّةِ في حالة الاجتماع، وإِن استقلَّت في حالة الانفراد وغير ذلك ممَّا عرفت، ولا تزيد صورة الخؤولة والعمومة والرّضاع وغيرها ممَّا ذكره الغَزَالِيُّ كما حَكَيْنَاهُ عنه في صدر المَسْأَلَةِ - على صُورَةِ القاتل المرتدِّ، وغيرها ممَّا أوردناه إِلَّا بأَنَّهُ لا يظهر أثر الخُؤُولَةِ والعمومة؛ لعدم افتراق أَحكامهما، فمن هذا: ظنّ أَنَّ الحكم يتَّحدُ فيهما، وأَنَّهُ لا يمكن القولُ فيها بتعدُّدِ الأحكام كما سبق، والظَّاهِرُ أَنَّ القولَ


(١) سقط في جـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>