بتعدُّدِ الأحكام فيها أيضًا ممكنٌ، وعدم تخالف الآثار لأَمْرٍ اتِّفَاقي لا للاتِّحادِ، ولقد تعدَّى شَارحُ البرهان ابن الأنباري طوره فقال:"المصير إِلى أن القتل الواجب بالقتل، يعدم بعدم القتل وَإِنَّمَا الواجب عند عدم القتل قتل آخر" خيالٌ ضعيف؛ فإِن استحقاق الدَّم قضية واحدة معقولة، لا تعدُّدَ فيها انتهى، وفد عرفت فيما مضى أَنَّ الحقَّ أَنْ ثمَّ استحقاقين، وأَنَّ الضعيف خياله هو لا خيال إِمام الحرمين، وأَنَّ قول إِمام الحرمين: القتل الواجب بالقتل، وَإِنَّمَا الواجب عند عدم القتل قتل آخر، ولكن المحلّ يضيق عن القتلان، ويفوت بإِيقاع واحد منها - صَحِيحٌ لا غبار عليه، ثمَّ قال ابْنُ الأَنباري: ولكن هذا الخيال يتأتى له في هذا، فما الجواب إِذَا وجد البولَ، وفقدَ الغائط، أو بالعكس بالإِضافة إِلى انتقاض الطَّهارة، فهل يُتَصَوَّرُ أَنْ يقال: وجوب الوضوء المرتَّبِ على البول يفوت، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ: وجوب آخر مرتب على الغائط؟ هذا مُحَالٌ لا يقوله لَبِيبٌ: انتهى.
وقد عرفت أَنَّه الحق ولا استحالة، وعدم تصوره إِيَّاهُ يدلُّ على ضعف خياله، ثمَّ اعترض على الإِمام حيث قال: التحريم بالحيض والإِحرام والرّدة والعدة بأَنَّ الردَّة لا تجامع الإِحرام شرعًا، وقد تكلَّمْنَا في هذا كما في صورة الصَّوْمِ، والحيض، ولا مشاحة في الأمثلة، وقد بان لك هوان الخُؤولة، والعمومة، والبول، والغائط، والمس، واللَّمس، وأَنَّهُ لا عسر فيها على خلاف دعوى ابن الأنباري السَّابق حكايتها عنه، ولقد تكرَّر من كلماتنا في إِدراج هذه الجملة ما يَدْرَأُ هذه الخيالات أجمع، ثُمَّ إِنَّا نسألُ ابنَ الأنباري هنا قائلين ماذا تقولُ في رجلٍ قال لامرأته الَّتي يملك عليها الطَّلقات الثَّلاث: إِن كلّمتِ رجلًا فأنْتِ طالق، وإِن كلّمت أسود، فأنت طالق، وإِن كلَّمتِ طويلًا فأنت طالق، فكلَّمت رَجُلًا جمعت له الخلال الثَّلاث؛ فإِنَّهُ لا محالة في وقوع الثَّلاث عليها، ولو أَنَّهُ لا يملك عليها غير طلقة واحدة وقال هذا الكَلامَ لمجموعه، فكلَّمَتْ هذا الجامع الصِّفات كلها لم يقع إِلا طلقة بلا ريبٍ، وانتفاء الطَّلقتين ليس إِلَّا لضيق المحلِّ بلا ريب؛ بدليل تأثيرها إِذا لم يضق المحلّ، ومدفوع الواحدة لا يصحُّ استناده إِلى كُلِّ واحدة بمفردها؛ لأن المطلق جعل كُلَّ صفةٍ علةً مستقّلة موجبًا لطلقة واحدة مغايرة للطَّلْقَةِ الَّتي توجبها الصِّفَةُ الأخرى، فلا يتأتى مخالفته، وهو ذو الإِنشاء، وجعل الطَّلقة مستندة إِلى غير ما أسنده هو إِليها، ولا سبيل إِلى دفع الواحدة، فليس غير جعل الوقوع مستندًا إِلى أحد الأوصاف لا بعينه، وهو رأي بعض القائلين بامتناع التَّعليل بعلّتين، أو القول بأَنَّ الأوصاف أجزاء للعلَّةِ، وهو المذهب الآخر لهم. لا يُقَالُ: فذو الإِنشاء المعلّق لم يجعل كُلَّ صفة إِلا علّة مستقلَّة، فكيف جعلتموها