أنتم جزء علَّةٍ؟ نقول: لأنا نقول: جعلنا إِيَّاها جزء علَّة لا ينافي استقلالها كما عرفت في خلال الكَلامِ؛ فإِنها تعرف مَنْ لم يعرف إِلَّا بها، وهي بالنِّسْبَةِ إِليه مستقلَّة، فمن عرف أَنَّهَا رأت رجلًا قضى عليها بالطلاق، وإِنْ لم يعرف بسواده، ولا طوله، والعلَّة عنده رؤية رجل، وعند العارف بالخلال كُلهَا المجموع، فهذا [مُتأتٍ](١) لنا ثانيًا لا إِشكال فيه، وهذه الصُّورَةُ عسرة على ابن الأنباري وغيره ممن يُجَوِّزُ اجتماعَ علَّتَيْنِ مستقلَّتين ينشأ الحكم عنهما على وجه الاستقلال لكلٍّ منهما، ولا انفصال لهم عنها، وما أبدوه من الصُّوَرِ ليس فيه شيْءٌ من العسر وللهِ الحَمْد، فإِن قُلْتَ: ما تقولونَ فيما إِذَا شرط في العَقْدِ ما يوافق مقتضاه كقوله في عقد الرَّهْنِ: بشرط أَنْ يُبَاعَ في حقِّكَ، فإِنَّ القاضي أَبَا الطّيِّبِ. والماوردي، وغيرهما من العراقيين قالوا: لا يلغو الشَّرط بل يفيدُ تأكيد ما يقتضيه العقد، وعبارة المحاملي في المجموع: كان الرَّهن صحيحًا والشَّرط صحيحٌ.
قُلْتُ: قد قال الإِمامُ والغزاليُّ في البيع والرَّهْنِ: إِنَّهُ لغو، وعلى هذا سقط السُّؤَال، وأَمَّا على القول بِأَنَّهُ صحيح مؤكّدٌ فنقول: الاشتراط عِلّةٌ أفادت مزيدَ القُوَّةِ، وقضيةُ العقد علَّة أفادت أَصْلِ الحكم، فلم يتوارد علَّتان على معلول واحد؛ لأَنَّ عقد الرَّهْنِ مثلًا أفاد البيع في الوفاء، واشتراط ذلك أَفَادَ تأكيد البيع، وتأكيد البيع غيره، ونظير المسألةِ تدبيرُ المستولدة، وقد سبق، والصَّحيحُ إِلغاء الشَّرط والحالة هذه كما ذهب إِليه الإِمامُ والغزالي معًا؛ لأنَّ شرط مقتضى العقد لا يضرُّ العقد، ولا ينفعه وقال الإِمَامُ: الشَّرْطُ هو الَّذي يقتضي زيادة على مقتضى العقد، وصرحا في الرَّهن بأَنَّهُ لغو. فإِنْ قُلْتَ: لنا في اليمينين إِذا حنث الحَالِفُ فيهما بفعل واحد، كما إِذا حلف لا يأكل خُبْزًا، وحلف لا يأكلُ طعام زيد؛ فأكل خبزه خلاف في أَنَّهُ هل يجبُ كفارة، أو كفارتان، فعلى القَوْلِ باتِّحَادِ الكفارة، وجد حانث حنثا واحدًا بيمينين، والدَّليلُ على وحدة الحنثِ اتحاد الكفَّارة، ولو تعدَّدَ لَتَعَدَّدَتْ؛ إِذْ لم يضق المحلّ عن إِيجاب كفَّارَتَيْنِ فأكثر. قلْتُ: إِنَّمَا وجد حنث بيمين لا بيمينين، وبها يتخل اليمين الأخرى، فيخيل من انْحِلالِ اليمين الأخرى اجتماع يمينين، وليس كذلك وهذه كلمات أوردها إِمام الحرمين، ولا نرى إِخلاء هذا المجموع عنها فنحكيها، ونتكلَّمُ عليها بحسب ما ييسره اللهُ تعالى: