للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال: العِلَّةُ المعنويَّةُ إِذَا اطَّردت؛ فإِنَّها كما تشعر بالحكم في اطرادها قد تشعرُ عَدَمَهَا بِعَدَمِ الحكم على حال، ولكن لا يبلغُ إِشعار العدم بانتفاء الحكم مبلغ إِشعار الوجود بالوجود، وسبب ذلك أَنَّه لا يمتنعُ في وضع المعاني أَنْ يناط الحكمُ بعلل تجوُّزًا إِنْ كُنَّا ادَّعينا فيما تقدَّم أَنَّ ذلك غير واقع، وأَنَّ ما ظنه الخائضون في هذا الفنِّ تقدَّم حكمًا معلّلًا بعللٍ في التَّحقيق أحكام، وهو كقولهم: تحريم المحرّمة الصَّائِمَةِ المعتدّةِ الحائض معلّل بهذه العِلَلِ المُزْدَحِمَةِ، وقد ذكرنا أَنَّ كُلَّ قضيَّةٍ من هذه القضايا توجب حكمًا مغايرًا لحكم القضيَّةِ الأُخْرَى، فلن يعدم الآنس بالفقه استمكانًا من تقدير التَّعَدُّدِ في الواجبات بوجوهٍ ترشد إِلى التَّغَايُرِ والاختلاف، وقد يظن الظَّان في هذا المقام أَنَّ المسئول إِذَا فرض الكلام في طرف من أطراف المسألة لغرض، وإِيضاح كلام، فصورة الغرض تختص بعلَّة، ويشملها مع سائر الأطراف علَّة عامة، وإِذا كان كذلك فقد علَّلَ الحكم في هذا الطَّرف بعلَّة خاصَّةٍ، وحينئذٍ هي مقصود الفارض، وعلَّة عامَّة. وهذا على حسنه غير صاف مِنَ القَذَا والكدر. "انتهى".

وحاصل كلامه أنَّهُ يورد أسئلة رُبَّمَا يخيل للناظر فيها اجتماع علَّتَيْنِ ثُمَّ ينفصل عنها بدع الاجتماع، فذكر مسائل الفرض، ومعنى الفرض من حيث الجملة أَنْ يشتمل سؤالُ السَّائل صورًا، فيفرض المجيب الكلام في بعضها كصورةٍ واحدة منها، فيدلُّ عليها، ويستفاد من الاستدلال الجواب عن سائر الصُّوَرِ المندرجة تحت السُّؤَالِ، وهذا شائعٌ في أبواب الجَدَلِ، وقد يَتَعَلَّقُ به كثير غرض؛ أَمَّا لضبط الكلام ودفعه عن الانتشار، فإِنَّهُ في القليل من الصُّوَرِ أقلُّ انتشارًا مِنْهُ في الكثير، وأَمَّا أن تلك الصُّورَة الّتي فرضها يندفع عنه فيها أسئلة لا تندفع لو ذكر سواها، ومثال ذلك إِذَا سئل عن نفوذ عتقِ الرَّاهِنِ ففرض كلامه في المعسر، فهذا فارض كلامه في صورة شملها السُّؤَال، وإِذا عرفت هذا، فقد يتخيّل منه اجتماع علَّتين؛ لأَنَّهُ إِن لم يكن محلّ الفرض ممتازًا بوجه ما عن بقيَّةِ الصُّوَرِ لم يكن لفرض الكلام فيه معنى، وإِنْ لم يشارك بقيَّة الصُّوَرِ في معنى يقتضي الحكم لم يكن إِلى التَّعميم سبيل؛ فلزم من ذلك أَنْ يكون ممتازًا عن بقيَّة الصَّوَرِ، بمعنى أوجب للفارض أَنْ يفرض الكلامَ فيه، ومشاركًا في معنى يقتضي الحكم، فتكون ذا معنين:

أحدهما مختصٌّ بمحل الفرض وبقيَّة الصُّوَرِ، ولذلك صحَّ عمومُ الحكم وشموله، وهذا وجه يخيل لزوم تعليل الحكم بعلَّتَيْنِ، وهو معنى قول الإِمَام فقط علَّل الحكم بعلَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>