نُحَافِظُ على الأعيان، ولا نقولُ: يجب الضَّمَانُ مع إِمكان رَدَّها، بل نطلبُ رَدَّها بحسب الإِمْكانِ، فإِذا تَعَذَّرَ ذلك رجعنا إِلى الماليَّةِ، ثم قال الإمامُ: وهذا يناظر عندي مَسْلكي في توزيع العِوَضِ على مختلفين في أحد شقَّي العقدِ عند مَسِيسِ الحاجةِ في شفعة لو فرض تلفٌ في أحد العِوَضَيْنِ، وقد زَلَّ جماهيرُ الفقهاء، فاعتقدوا أَنَّ التَّوْزِيعَ مقصودُ العقد كما نبَّهْتُ عليه في مسألة العجوة، وهذا ذللٌ وسوءُ مدرك؛ فإِنَّ العقد ما أنشئ على التَّوْزِيعِ، وأَنَّما هو أمرٌ ضروريٌ أحوج إثبات الشُّفْعَةِ إليه. انتهى. ووجه المناظَرَةِ والمشابهةَ ظاهرة على مسلكه، وذلك أَنَّهُ لما قرر أنَّهُ لا ينبغي أَنْ يعد قضايا الشرع في مظانِّ الضَّرُوراتِ من القواعد الأصليَّةِ أَنَّ الرُّجُوعَ إلى المالسَّةِ عند تلف المرهون ممَّا دعت إليه الضَرورة جبرانًا للفائت - لأَنَّ الماليَّة مقصودة ابتداء - شبه هذا بمسألة مد عجوة، فإِن التَّوزيعَ عنده فيها ليس من قضيَّةِ العقد، وَإنَّما هو شيءٌ جرت إليه الأَحكَام، ودعت إليه الضَّرُورة، فالمشابهةُ واضحةٌ على مسلكه، وإِنَّما هو مسللك حاد به عن سبيل الأصحاب، وأَنا أبدي هنا في ذلك كلامًا مختصرًا مشتملًا على فوائد جَمَّة.
فأقول: إِذَا باع مال الرّبا بجنسه، ومع أحدهما غيره - مِمَّا فيه الرِّبا أو مِمَّا لا ربا فيه، فهذه قاعدةُ عَجْوَةٍ، ومذهبنا البُطْلانُ فيها خلافًا لأبي حنيفة ﵁ ولسنا هنا في مَقَامِ المجادَلَةِ على مذهبنا بل في حكاية ما يتعلَّقُ بما نحنُ فيه، فنقولُ: قاعِدَتُنَا هذه مبنيَّةٌ على أصلين أحدهما أَنَّ الجهلَ بالمُماثَلَةِ لحقيقة المفاضلة، وهو أصل تمهد في باب الرِّبا مبنيٌّ على أصلِ آخر عظيمِ الفائدة جليل العائدة، وهو أَنَّ الأصل عندنا، وعند المالكيَّةِ في بيع الربويّات بجنسها، أو بما يشاركها في علَّةِ الرِّبَا التَّحريم، إِلَّا ما قامَ الدَّلِيلُ على إباحته، وهذا أصلٌ مستفاد من قوله ﷺ:"لا تَبِيعُوا الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَلَا الوَرِقِ بالْوَرِقِ إِلَّا وزنًا مِثْلًا بِمِثْلٍ من سَوَاءٍ بِسَوَاءٍ (١) لفظ مسلم من حديث ابن مسعود، وفي حديث عُبَادة: سمعتُ رسول الله ﷺ: "يَنْهَى عَنْ بَيعِ الذَّهَبِ بَالذَّهَبِ، والفِضَّةِ بَالفِضَّةِ وَالْبُرِّ بالْبُرِّ، والشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحِ بِالمِلْحِ إِلَّا سَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبى" وهو لفظ