مسلم أيضًا، وأحادِيثُ أُخرُ مستقصاةٌ في مواضعها، ووجه الاستدلال أنَّهُ ﷺ صدَّرَ بالنَّهي، ثُمَّ استثنى منه، والأصلُ عند الحنفيَّة الجواز؛ لاندراجه في جملة عُقُودِ البَيْع، ويجعلون عقُودَ الرِّبا، وسائر ما نهى عنه مخرجًا من ذلك الأصْلِ، وهذا المأخذ نافعٌ جدًّا في مظانِّ الاشتباه، وتعارُضِ المآخذ، فَنَحْنُ نحرِّمُ إذْ ذاك، وهم يُحلِّلُون، وعليه تدورُ مسألة بيع الحِفْنَةِ بالحفنتين، ولا يستريبُ أخو الإِنثاف في أَنَّ مذهبنا هنا أوجه من مذهبهم؛ لأنَّا أخذنا بالأَصْلِ القريب، وهو الرِّبا، وهم أخذوا بالأصْلِ البعيد، وهو البيع، والرُّجوع إلى أقرب أصلٍ أولى مِنَ الرُّجوعِ إِلى مِنَ البعيد، وهذا إِنْ سَلِمَ لهم دخول الرِّبا في البيع، والخلاف في دخول العُقودِ الفاسدة تحت الألفاظ معروفٌ، فهذا أحدُ الأصلين اللَّذين عليهما بنينا قاعدة مد عجوة. والأصْلُ الثَّاني أَنَّ اختلاف العِوَضَيْنِ من الجانبين، أَوْ من أَحَدِهِما يوجبُ اعتبارَ القِيمَةِ، وتوزيع الثَّمَنِ عليهما بالقيمة يومَ العقد كما إِذَا باع عَبْدًا، وثوبًا ثمَّ خرج أحدهما مستحقًّا، فإِنَّهُ يرجعُ بقيمة المستحقّ من الثَّمَنِ لا بنصف الثَّمَنِ، والشَفيع إِنَّما يأخذُ بما تناوله حالة العقد فلو أَنَّ التَّوزيعَ حاصلٌ حين العقد، لم يصحَّ، وكما في ردِّ البعض بالعيب وتلف البعض عند البائع، قال أصحابنا: ولولا التَّوزيع في الابتداء ما نوزع في الانتهاء، ولا سبيل إِلى أَنْ يقال: ينزل التَّوزيع؛ لأنَّهُ مُؤَدٍّ إلى بطلان البيع، فإِن العقدَ إِذَا كان له مقتضى حُمِلَ عليه، سواء أَدَّى إلى فساد العقد أو صلاحه، كما إِذَا درهمًا بدرهمين لما كان مقتضى العقد مقابلة جميع الثَّمَنِ حمل عليه، وإنْ أَدَّى إِلى فَسادِهِ وَلَمْ يحمل على أَنَّ أَحد الدِّرهمين هبة والآخر ثمن ليصحَّ العقد ولم يرتض إِمامُ الحرمين هذه الطَّريقة، وقال: العقدُ لا يقتضي في نفسه توزيعًا مفصلًا، بل مقتضاه: مقابلة الجملةِ، أو مقابلة الجزء الشَّائِعِ مِنمَّا في أحد الشِّقَّيْنِ بمثله مِمَّا في الشِّق الآخر بِأَنْ يقال: ثُلُثُ المُدِّ وثلثُ الدِّرْهَمِ يقابل ثلثي المُدَّيْنِ يعني: إِذا باع مُدًّا ودرهمًا بِمُدَّيْنِ، ولا ضرورة إِلى تكلّف توزيع يُؤَدِّي إِلى التَّفاضل، وإِنَّمَا يصار إلى: التوزيع في مسألةِ الشُّفْعَةِ لضرورة الشفعة قال: والمعتمدُ عندي في التَّعْلِيلِ: أنَّا تَعَبَّدْنَا بالمماثَلَةِ تحقيقًا، وإذا باع مُدًّا ودرهمًا بِمُدَّيْنِ لم تتحقّق المماثلة، فيفسد العقد، وقالَ في "الأسَالِيبِ": هذا أُسْلُوبُ المسألة، وهو في نهاية الظُّهُورِ والوُضُوح، وإذا قَالُوا: نَحْنُ نقابل الدِّرْهَمَ بِمُدٍّ ونقابل مُدًّا بِمُدٍّ؛ ليصحَّ العقدُ كانُوا متحكِّمين حائدين عمَّا يقتضيه العقدُ من إِيهامِ