المصلحة ضرورية"، لا حاجية، "قطعيَّةً"، لا ظنية، "كلية"، لا جزئية؛ أي: مختصّة بشخص، كما إِذا تَتَرَّس الكفار بأُسَارَى المسلمين، وعلمنا أنَّا إِن لم نرم الترس استأصلوا المسلمين المتترس بهم وغيرهم، وإن رميناه اندفع قطعًا، مع قتلنا - إِذ ذاك - مسلمًا من دون جَرِيمةٍ صدرت منه.
وإنما يعتبر - والحالة هذه - لأنا لو كففنا عن التّرسِ لسلطنا الكُفّار على جميع المسلمين، فيقتلوهم، ثم يقتلون الأُساري أيضًا، فحفظ المسلمين أقرب إِلى مقصود الشرع؛ لأنا نقطع أنّ الشرع يقصد تقليل القَتل، كما يقصد حسم سبيله عند الإِمكان، فإِن لم نقدر على الحَسْمِ، فقد قدرنا على التَّقْليل، وكان هذا التفاتًا إِلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودةً بالشرع، لا بدليل واحدٍ، بل بأدلة كثيرة، ولكن تحصيل هذا المَقْصد، بهذا الطريق، وهو قتل من لم يذنب، لم يشهد له أصل معين، فينقدح اعتبار هذه المَصْلحة باعتبار الأوصاف الثلاثة، وهي كونها ضروريةً، قطعية، كلية، فليس في معناها ما لو تَتَرَّس الكفار في قلعة بمسلم، فإِنه لا يحل رمي الترس؛ إِذ لا ضرورة بنا إِلى أخذ القَلْعَةِ، فنعدل عنها، ولا إِذا لم نقطع بظَفرِهم بنا، فإِنها ليست قطعية، بل ظنية، ولا رمي بعض المسلمين من السفينة لنَجَاةِ بعض؛ إذ ليست كلية، ولعل المصلحة في بقاء من القي دون من بقي.
واعلم أن الغزالي إنما اشترط القَطْع، للقطع بالقول بالمرسل - والحالة هذه - لا لترجيح القول به، بل هو يرجّح القول به وإن لم ينته إلى القطع، وقد قال في كثير من كتبه كـ"المُسْتَصْفى" و"شفاء العليل" وغيرهما، بأن الظن القريب من القطع نازل منزلةَ القطع، وهو الصواب، فلقد حكى أصحابنا في مسألة التترس وجهين من غير تصريح منهم باشتراط القَطْع، وعللوا وجه المنع بأن غاية الأمر أن نخاف على أنفسنا، ودم المسلم لا يُبَاح بالخوف، وهذا تصريح بِجَرَيانِ الخلاف في صورة الخوف، ولا قاطع فيه، فالمناسب في حالة القَطْعِ مجزوم باعتباره، وإنما الخلاف في حالة الخوف، فاعرف ذلك، ولنذكر أمثلة أقسام المناسب: