فعلم من هذا أن ما يحكى عن الإمام القفال في الأصول من المذاهب التي لا تصح إلا على قواعد المعتزلة إنما ذهب إليها حينما كان على مذهبهم، وأنه لما رجع عنه لا بد أن يكون قد رجع عنها. "الثالث": أي أن التعبد بالقياس ممتنع عقلًا في شريعتنا خاصة، وإليه ذهب النظام من المعتزلة. أو في جميع الشرائع، وإليه ذهب الشيعة الإمامية وجماعة من معتزلة بغداد وجماعة من الخوارج. ومعنى الامتناع عقلًا عند الفريقين أن الدليل العقلي المحض يدل على استحالته أي كونه أمرًا منتفيًا لا يتصور ثبوته. وقد عبر بالاستحالة كثير من العلماء كالغزالي والبيضاوي وغيرهما. وعبر ابن السبكي في جمع الجوامع بقوله: "ومنعه قوم عقلًا" وفسره محشيه البناني بقوله: "أي عدوه محالًا لا يتصور وقوعه" اهـ لكن الشيخ الشربيني في تقريره فسر الامتناع عقلًا بالقطع بأن الشارع لا يجعله دليلًا حيث قال: "وليس المراد أنه مما لا يتصور وقوعه" اهـ. ينظر: المحصول ٢/ ٢/ ٢٩. (١) لأنَّهُ لو فرض أن الشارع قال: إذا وجدت أيها المجتهد محلًا مشاركًا لآخر في علة حكمه، فأثبت فيه حكمه أو لا تثبته بذلك، لم يلزم من كلا الفرضين محال لا لنفسه ولا لغيره بالضرورة. ولا يرتاب أحد في أنه ما لا يلزم من وقوعه ولا عدم وقوعه محال أنه جائز عقلًا، وبهذا يعلم أن التعبد بالقياس جائز عقلًا لا مستحيل، ولا واجب. (٢) "أما الأولى" فلأن الممتنع ما لا يتصور في العقل وجوده فلا يقع "وأما الثانية" فللأدلة الدالة على الوقوع من الكتاب والسنة وإجماع بعض الصحابة مع موافقة الباقين، فهو إذًا غير ممتنع عقلًا؛ فيكون جائزًا.